حسين الذكر
في واحدة من مهازل القدر التعليمي في العراق أن الطالب، الذي يريد أن يكمل دراسته الثانوية لا يتاح له ذلك (لا بالدوام في المدارس الحكومية ولا بالأهلية.. اذ لم يسمح له القانون المصوت عليه في البرلمان إلا عبر الامتحان الخارجي المعروف بعلّاته وهناته المتعددة.. ولا أدري كيف مررت هذه الفقرة القانونية، ومن وضعها وكيف صوت عليها البرلمان في حينها؟
كنت على تواصل مع صديقي السوري الأستاذ احمد الدغران للحديث عن هموم التعليم، وقد شكوت له عن قطع الانترنت وتقليل خدماته اثناء امتحانات البكالوريا خشية على سرقة وتداول الاسئلة، ولمنع محاولة الغش عن بعد وقرب أو أي من أساليب وفنون الغش المتداولة على الساحة.. وقد ضحكنا معا حينما قال إنهم أيضا يعيشون الأزمة ذاتها ويعالجونها بالطرق نفسها.. ثم حدثته عن الجامعات العراقية التي كان معترفا بها من جميع دول العالم، وكيف كانت قبلة لطلاب العرب الذين يفتخرون بزهو تخرجهم في جامعة بغداد.. وقد ضحك حد البكاء، حينما قال كنا ندرس قبل عقود في الجامعات السورية، ويجلس معنا الطلاب من مختلف البلدان العربية.. بينما اليوم طلابنا وطلابهم يبحثون عن وسائل الحصول على الشهادات العليا عبر النت أو في دول بعيدة، عنوانها كبير وحصادها العلمي نزر حد الشح.
تحدث لي عن ولده طالب الجامعة ومحاولته اعانته لاكمال دراسته الجامعية وكيف فتح له محلا لهندسة الديكور والترميم.. لكنه تورط به وبدلا من أن يعينه اصبح ثقلا عليه ويدفع الاجار من جيبه.. فقلت له المأساة نفسها يعيشها أولادنا.. لكن الأساليب مختلفة.. بعد أن أصبحت بلدان العرب شرهة في الاستهلاك، لا يمكن أن تنجح بمحل، إلا إذا كان استهلاكيا من قبيل بيع المأكولات والوجبات الدهنية السريعة وكذا الشرابت والعصائر المرافقة وأنواع المواد الأولية للأرجيلة ومشتقاتها... المبررة لانتشار الصيدليات وبيع الادوية وتعدد محال التحليل والبسطيات الطبية المفرغة لجيوب المواطن والقاتلة للوطن باسم الطب.
على ذكر الامتحانات وأساليب الغش والرقابة المتبعة فيها من القصص المضحك المبكي، لا سيما في العراق وبعد أن أصبح المعلم بمختلف درجاته ومسمياته الحلقة الأضعف، اذ لم يعد القانون قادرا على حمايته في ظل سطوة الأعراف واي محاولة تأديب يمكن ان تفسر اعتداء يستحق النخوة العشائرية وما تعنيه من قوة لا يمكن حتى الدولة أن تقف بوجهها.
ذكر لي صديقي الدغران أن احد الأساتذة في الجامعة السورية أيام زمان كان في الامتحان يسمح للطالب ادخال الملزمة والاستعانة فيها.. لأنه قد اخذ ذلك بنظر الاعتبار وحرر أسئلة تستهدف ذكاء الطالب ووجهة نظره الاستنباطية، وبما يخمد عندهم رغبة وإمكانية الغش بكل صوره.
بينما تذكرت أحد الطلاب العائدين من الامتحان، وقد اخذ يتحدث لزملائه بفخر واعتزاز وكيف كان يستهزئ بالمدرس حينما قال له: (استاذنا العزيز هل تسمح لنا بالغش عبر المقصوصات الورقية، أو بما كتبناه على الجدران والرحلات أو ادخال المناهج معنا، فرد المعلم الخائف من الأعراف والقوى المتمردة على القانون (بل يمكنكم الاستعانة حتى بصديق)..