باقر صاحب
بات الجفاف الذي أصاب مواردنا المائية، وبخاصة أنهارنا وأهوارنا وآثاره السلبية الكبيرة، حديث التقارير الإخبارية ومقالات الرأي، بل حديث غالبية المواطنين، لأنه يهدد بتآكل الأراضي الصالحة للزراعة، ومن ثمَّ شحة المحاصيل الزراعية، ونفوق المواشي أي التهديد المباشر للثروة الحيوانية، وكذلك نفوق الأسماك في ما تبقى من أنهارنا وأهوارنا وبحيراتنا.
هذه المفردات: شحُّ المحاصيل الزراعية، ونقصُ الثروتين الحيوانية والسمكية، تبعاتها ليست بالأمر الهيّن، بل أنها تهدّد أمننا الغذائي.
يُعرَّفُ الأمن الغذائي وفقاً لمؤتمر الأغذية العالمي المنعقد عام 1996 بأنّه» وضعٌ يتحقّق عندما يتمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافيةٍ وسليمةٍ ومُغذيّةٍ تلبّي احتياجاتهم الغذائية وأفضلياتهم الغذائية من أجل حياةٍ نشطةٍ وصحية».
ووفق هذا التعريف، فإنّ المفردات المذكورة آنفاً، تشحُّ في مائدة غذاء المواطن، الشّحَّة نابعةٌ من غلاء أسعار المحاصيل الزراعية واللحوم والأسماك، مما لا تستطيع أغلبية المواطنين شراءها، نتيجةً للوضع المعيشي السيّئ لهم، لمن هم تحت خطِّ الفقر، أو عموم أصحاب المداخيل القليلة من موظّفين ومتقاعدين وعمال، إضافةً إلى البطالة المزمنة، التي ستزداد معدلاتها نتيجةً لهجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة، للسبب نفسه ألا وهو الجفاف.
إزاء هذه الحال، كيف تتحقق متطلّبات التعريف أعلاه، في الحصول بشكلٍ مُيسَّرٍ على الاحتياجات الغذائية الكافية « لأجل حياة نشطة وصحيّة».
فضلاً عمّا ذكرناه، فإنّ تقليص المساحات المزروعة في أنحاء العراق، له التأثير الواضح في صعوبة توفير متطلّبات الحصّة التموينيّة لكلِّ الأسر العراقية، والتي ما زالت تعتمد عليها في توفير سلاّتها الغذائية لشهرٍ كامل، هذا الاعتماد المستمرّ لمئات الآلاف من العوائل على البطاقة التموينيّة، دالٌّ واضحٌ على تواضع المستوى المعيشي لهذه الأسر.
كما أنّ هناك نقطةً مهمةً تقع في صلب موضوعة مقالتنا، ألا وهي قضية النموّ السكاني المتزايد في العراق، حيث يُقدّر عدد سكان العراق الآن بأكثر من 42 مليون نسمة، وهناك تقديراتٌ بأنّ عدد سكان العراق يزداد كلَّ عامٍ بمعدّل مليون نسمة، والتخطيط السليم يقول أنه يجب توفير كلِّ متطلبات هذا المعدل السنوي، من غذاءٍ وصحةٍ وسكنٍ لائقٍ وتعليمٍ جيّد.
معادلةٌ قاسية؛ مخاطرُ الجفاف تتزايد، وكذلك النموّ السكاني يتضاعف، وليس الأمر يقتصر على تهديد أمننا الغذائي، بل أنَّ شُحَّ الماء الصالح للشرب وجميع لوازم الاستخدام البشري الأخرى للمياه، وسط تضاؤل مناسيب أنهارنا وجميع مواردنا المائية من أهوارٍ وبحيرات، حيث نلحظ بروز الجزرات الترابية الواسعة وسط مجمعاتنا المائية، كلّها ظواهر تنذر بانتشار التلوّث والأوبئة، وانعدامٍ وشيكٍ لأبسط مظاهر البيئة الصحيّة .
الأثر السلبي الآخر لمخاطر الجفاف وتهديده لأمننا الغذائي يتعلّق بالجانب الاقتصادي، إذ إن شحّ سلاّتنا الغذائية من مفردات الخضر والفواكه واللحوم والأسماك، يجعل الوزارات ذات العلاقة مثل الزراعة والتجارة، تلجأ إلى السماح باستيراد كلِّ ما يحتاجه المواطن من المفردات، من التي مُنع استيرادها سابقاً ما يجعل اكتفاءنا الذاتي الغذائي مطلباً مستحيلاً، وميزاننا التجاري مع الدول الأخرى غير متكافئ، بما هو أعلى من السابق، ويبقينا دولةً مستوردةً مستهلكةً، بدلاً من أن نكون دولةً متكفيةً غذائياً ومصدّرةً إلى بقية دول العالم الأخرى .
هناك دولٌ متشاطئةٌ مجاورةٌ لنا مثل تركيا وإيران، ولنا معها تبادلٌ تجاريٌّ يصل إلى مليارات الدولارات سنوياً، لذا نرى أنه ينبغي على الوزارات
ذات العلاقة مثل الخارجية والموارد المائية والتجارة التفاهم معها بضرورة انتظام الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات كي تزداد مناسيبها في المدن التي يمرّ بها هذا النهران، انتظامٌ مائيٌّ ينسجم مع التبادل التجاري
الكبير معها، على قاعدة (فدْ واستفدْ)، ثم أنّ الدول المجاورة ستفيدُ من مشروع طريق التنمية، ومنطلقه العراق وبكلفة 17 مليار دولار،
المشروع العملاق الذي أعلن عنه رئيس مجس الوزراء محمد شياع السوداني يصبح فيه العراق مركزاُ رئيساً لنقل البضائع بين آسيا وأوروبا، ما يقلّل من الاعتماد على الاقتصاد الرّيعي، ويجعل العراق الرقم الصعب إقليمياً شرقاً وغرباُ ودولةً لا يستهان بها
أبداً.