د. أثير ناظم الجاسور
طال الحديث وتعمقت الدراسات والكُتب، التي تناولت فكرة القوة الناعمة، التي نظر لها أستاذ العلوم السياسية ومساعد وزير الدفاع الامريكي لشؤون الامن الدولي «جوزيف.س. ناي»، في هذا المجال قسّم ناي القوة إلى نوعين: الأول قوة صلبة عنيفة، من خلال استخدام وسائل للتدخل العنيف الحربية والاقتصادية الناتجة عن مجموعة الأفكار والتطبيقات، التي قد لا تتناسب وقدرات الدولة المتلقية لهذه القوة.
والثانية القوة الناعمة التي تتضمن عناصر أساسية أو وسائل، كما يسميها ناي هي ( الثقافة- قيم النظام السياسي- السياسة الخارجية)، وإذا ما أمعنا التدقيق والتفكير، فإن هذه النظرية تتحدث بالمجمل على القدرات الأمريكية في السيطرة بشقيها الصلب والناعم أو المرن، الذي بالمحصلة يُعطي نتائج للسيطرة والهيمنة الأمريكية على العالم، أو بعبارة أخرى وضع خطوات، لما يمكن تحديثه في السياسة الخارجية الأمريكية، أو كما يعتقد البعض هو دليل لصانع القرار الأمريكي، كيف يتفادى بعض النقاط، التي تختص في تفاصيل استخدام القوة المسلحة والضغط الاقتصادي، الذي يتسبب في عدم ارتكاز ونجاح النموذج المراد تحقيقه في الدول المُستهدفة، وهذا ما حصل في أمريكا اللاتينية وفق مشاريع «ميلتون فريدمان»، بهذه الطريقة أراد ناي أن تكون لأمريكا القدرة على السيطرة، في نظام تحولت معالمه نحو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والانترنت وفق تحولات المقدرة البشرية على التأثير، وباتت عملية التأثير هذه أكثر صعوبة لما تعكسه ثقافة الأنظمة والشعوب، ناهيك عن الانعكاس الاجتماعي لكل دولة وثقافتها.
تزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن القوة الناعمة ودورها، حتى بات هذا المفهوم منتشراً تعدى فهمه ودراسته من منظور أمريكي فقط، بل اصبح حديثاً لكل قوة كانت إقليمية، أم دولية، فالدول ذات التوجهات الدينية أو القومية فسّر الباحثون والدارسون توجهاتها من هذا الجانب، على أنه قوة ناعمة لما تحمله من تأثير على الدول الاخرى أو التجمعات البشرية فيها، بالرغم من أن هذه المنطلقات بحد ذاتها هي تحمل في طياتها تجاه الدول المُستهدفة عوامل تفكيك، سواء كان نسيجات اجتماعيا أو نظاما سياسيا قائما على معايير وقيم بالضرورة تختلف مع المُتدخل، بالتالي فإن دولاً بهذه التوجهات، لا تمتلك أي نعومة في توجهاتها بسبب ما تحمله من مخططات بالمحصلة هي هدف من أهدافها الوطنية، يعمل على إضعاف المحيط في سبيل تعزيز المكانة والهيمنة، اما القوى الكبرى مثل الصين وروسيا، فضلاً عن دول أوروبية واخرى صاعدة اقتصادياً، فهي تعمل أيضا على تعزيز مكانتها، من خلال اتباع سياسات ذات معايير أخلاقية في جانب وصلبة من جانب آخر، وفي كلا الجانبين تعمل على تحقيق مصالحها وفق معايير تغير القيم والسلوكيات، التي يُدار بها هذا النظام، وبالضرورة تكون نعومة سياساتها المُتبعة محمية بقوة عسكرية وسياسية واقتصادية، تحافظ على مستوياتها في العمل وفق قياسات ما تمتلكه من قدرات سواء بالتأثير أو السيطرة، من ثم فإن من واجب المهتمين دراسة مُحصلة هذا التأثير الناعم أو المرن ومخرجاته، ومدى تطابقه مع مصالح من يستخدمه سواء كان فاعلا دوليا رسميا أو فاعل غير رسمي موجه، ومعاينة موضوع المرونة هذا مع تأثير نعومة التجربة المراد تحقيقها هذه النعومة، التي قد تُغري أفرادا أو جماعاتٍ متعايشة مع تجربة مختلفة، لكنها لا تتناسب وسياسات نظام سياسي يختلف شكلاً ومضموناً، لكن مقدار هذه المرونة أو النعومة في القوة المذكورة تتباين من دولة لأخرى وفق قوانين القوى التي تتسارع على السيطرة.
هذه الفكرة وغيرها من الأفكار والستراتيجيات الموضوعة في السياسة الدولية، والمنظّر لها من قبل المختصين، تعكس دائما فكر المنظّر الذي يحاول أن يبين حالة معينة لحدث ما أو تصور، تمَّ رسمه لسياسة بلده، خصوصا كالولايات المتحدة الأمريكية وتجاربها ومشاريع وستراتيجياتها نحو العالم، وهذا يعكس مستويات التفكير ومراكز الأبحاث التي تستهدف بالدرجة الأساس صانع القرار، الذي يعمل وفق نظام المؤسسات التي تبلور الأفكار والنظريات لتصبح واقع حال بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه مناطق مختلفة من العالم، بالتالي يتم تقسيم وتفكيك المفاهيم حسب الاحتياج العالمي، اما بخصوص ما أن كانت القوة ناعمة أو صلبة أو تندمج لتكون قوة ذكية، فهذه محصلة طبيعية لمجموع السياسات، التي تتحرك وفق ستراتيجيات التنظير للابقاء على مكانة القوة العظمى الوحيدة في هذا العالم، وإذا ما أردنا استعراض التجارب الناعمة في الناطق المستهدفة من قبل الولايات المتحدة، نجد أنها نماذج أصبحت غير مستقرة فوضوية، لدرجة عالية مسببة للتوتر في مناطقها، فبعد التبشير بالنموذجين الافغاني والعراقي، وما سبقهم من نموذج فيتنامي والتدخلات بمسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان، كلها تتبع قوة تأثير تنعكس بالسلب على المجتمعات، والدول التي تضررت في سياستها واقتصادها وسيادتها، بالنتيجة اصبحت القوة العظمى واضحة التحركات وحتى الكبرى، فنعومة القوة المستخدمة تجاه الدول والشعوب هي بالضرورة مقدمة خطيرة للسيطرة على اساس تحقيق المصلحة وخلق نماذج طيعة تتماشى مع سياساتها في العالم، خصوصاً والصراع وصل أعلى مراحله، والتنافس ما هو إلا مفهوم خجول تحاول هذه القوى أن تتناوله، في سبيل ترطيب أجواء الشاشات والأوراق المكتوبة، فالمناطق وفق التفكير الاستراتيجي لهذه القوى مقسمة وفق فكرة الحليف والعدو، ومن ثم تأتي المعايير الأخرى، التي تدخل ضمن مفاهيم التكامل والمشاركة، بالتالي اذا كان التأثير ناعما أم مرنا، لا بد من أن يُعزز بقوة عسكرية كبيرة تمتلك القدرة على الهجوم والدفاع، ولا بد من اقتصاد مهيمن له القدرة على التأثير الصلب إن تطلب الأمر.