حسين رشيد
يبدو أن مسار السرد والرواية تحديدا بات يعود للتاريخ ومحاولة الكتابة بالمسار معه، وهناك من يكتب ليمس التاريخ، في بعض محطاته التي يقصدها السارد، إذ تكون تلك القصدية وفق مفاهيم محددة أو فكرة في رأس السارد، وربما محاولة منه لكشف بعض خفايا تلك المرحلة من التاريخ، وقد يأتي ذلك المساس بالمصادفة ما يدفع السارد إلى البحث والتقصي، أو الاكتفاء بإشارة عابرة قد تدفع القارئ إلى تفحّص تلك المرحلة أو الحقبة، وهنا يكون التفحّص مزاجيا أو سطحيا، أو يمكن أن يسلط الضوء على أوجه تلك المرحلة وما ذكره السارد من خلال المتابعات الصحفية للعمل السردي الروائي أو المقالات والدراسات النقدية والبحثية، وهما الآن في شحّ وإن وجِدا فهما من دون المستوى المراد.
الذي يظهر أن ثمة تجنّبا عن الخوض في مرحلة مهمة من تاريخ البلاد، متمثلة بثمانينات القرن الماضي، هذا التجنّب يثير أكثر من علامة استفهام وتساؤل، أولا لماذا التجنّب، ويتبعه، هل المرحلة لا تستحق الخوض بتفاصيل سرديَّة؟ أم مخاوف من فتح نوافذ يراد لها أن تبقى مغلقة، أم بسببٍ أيديولوجي وبوجه الخصوص من الأدباء الساردين الذي يُحسبون على الجيل الثمانيني حسب التوصيفات المتداولة في الوسط الثقافي، والأمر هنا يشمل القصة أيضا، ويلوح إلى المشهد الشعري أيضا، وأهمية فتح مغاليقه، فالثقافة العراقية يتقدمها الشعر في كل المراحل، حتى وإن كان في مستوى متواضع قياسا بالسرد، وأعتقد أن النصف الثاني من مرحلة التغيير النيساني 2003 توضح ذلك بشكل جلي.
أرى أن مرحلة أو حقبة الثمانينات مهمة، بل ويمكن أن تمثل حقبة الأسئلة غير المطروحة وغير المتداولة، التي يبدو أنها تحمل جنبات عدة، هي حقبة التصفيات السياسيّة والحزبيّة والاعدامات والتغييب والتهجير، ونشأة الدكتاتورية، وبداية دخول البلاد في النفق المظلم، وهي حقبة الحرب التي ما يزال كثير من خفاياها غير معلنة، هي حقبة التحول من المدنية الناشئة إلى الترييف الأول وإعادة العشائرية والأنساب، وهي مرحلة الاغتيالات والصراعات عائلة وعشيرة من يمسكون بالسلطة، وهي حقبة البداية للتدهور الاقتصادي، إلى بقية تفاصيل وإشكالات تلك المرحلة أو الحقبة الزمنية التي يتذكرها بعضهم ويصفها بالزمن الجميل أو جيل الطيبين وهما وصفان بإمكان السرد تفحصهما من جوانب عدة.
هذا لا يعني أنه ليس هناك أية كتابات حول أحداث الثمانينات السياسية والاجتماعية، هناك روايات وقصص بعضها كتبَ اعتمادا على الذاكرة وهو في الغالب مأخوذ من حياة الكاتب أو قريب من سيرته، وآخر حاول أن يوثق لتلك المرحلة عن طريق الشفرة والترميز، للهروب من بطش السلطة، ما بعد نيسان 2003 كنا نتوقع فيضاً من الروايات والقصص عما كان يدور في تلك المرحلة إلا أن الأمر اقتصر على أعمال قليلة، عدد منها تناول ما كان يحدث في دهاليز وسجون السلطة، وهو أمر يؤشر إلى ورطة السارد الذي عاصر تلك المرحلة أو الحقبة وتبنى وجهة نظر السلطة في كل ما ارتكبته بحق الوطن، والشعب، ومن كان يعارضها، وهو بذلك يدس رأسه في جب التاريخ الذي عاشه وعاصر كل الأحداث لكنه لم يتحلَّ بالشجاعة.