أندريا كوتش.. حيويَّة الواقعيَّة السحريَّة

ثقافة 2023/07/13
...

 ترجمة: رامية منصور

لو كُنَّا شيئاً، فنحن ماضينا، ماضينا ليس بالذي يمكن تسجيله في سيرة أو في صحف. ماضينا هو ذاكرتنا. وهذه الذاكرة قد يعتريها التلاشي أو تعوزها الدقة، وليس هذا بمهم، المهم أنّها موجودة، قد تكون مطعّمة ببعض الأكاذيب لكنّها تبقى جزءاً من الذاكرة، جزءاً منا. بورخيس وهو يعيش على زراعة حدائق يُزيّن بها روحه، بدلًا من انتظار من يجلب له الزهور في عالمه الواقعي السحري.
وصفت أندريا كوتش بأنّها تجربة فنيَّة قويَّة صاعدة، تُظهِر وعيًا حساسًا للغاية يعبّر عن رمزيَّة في رؤى الثقافة. لوحاتها وأعمالها غنيّة بالمزاجيّة والرمزيّة والدقة في التعبير، مما يعكس ثراءً في التأثيرات التي هي خليط قادم من عصر النهضة الشمالية والفن الأمريكي إلى المناظر الطبيعيّة الريفيّة والهندسة المعماريّة المحلّيّة في موطنها ميشيغان.
القصص التي تعجُّ بها لوحات كوتش مستلهمة من مشاعرها وتجاربها الحياتيّة، الأمر الذي ينتج صوراً سرديّة واستعاريّة توضح أوجه التشابه بين التجربة الإنسانيّة وأسرار الطبيعة. يعمل المشهد الطبيعي الأمريكي البكر المنعزل الذي يشمل موضوعات لوحات أندريا كإعادة استكشاف لقدسيّة الطبيعة وانعكاس لأسرار الروح البشريّة، ويرمز إلى كلِّ الأشياء القويّة والهشَّة والأبديَّة. إنَّ السيناريوهات الحقيقيّة التي تشبه الحلم تحول الأفكار الشخصيّة إلى استعارات عالميّة للحالة الإنسانيّة، وكلها تحتفظ بإحساس بالغموض لتشجيع الحوار بين الفن والمشاهد.
تأثرت أندريا بالمناظر الطبيعيّة في الغرب الأوسط الساحرة والغامضة والمثيرة للتأمل في أعمال أندرو وايث وألفريد هيتشكوك ويمكن اعتبار أعمال أندريا كوتش بأنّه الإرث الإبداعي للاثنين، فهي ترسم كوتش بأسلوب واقعي، باستخدام العناصر الريفيّة كاستعارات للحالات الداخلية لموديلاتها من الإناث. وكما هو الحال في أفلام هيتشكوك، فإنَّ المشاهد التي تصورها كوتش ليست كما تبدو في الحقيقة، حيث تختبئ الأسرار والنوايا والرغبات تحت السطح. أي أن كوتش ابتكرت أسلوبًا خاصًّا بها من الرمزيّة القويّة والمزاجيّة مع شخصياتها الغامضة التي لا يسبر غورها، ولوحة ألوانها الخريفيّة الغنيّة، ومشاهدها المفعمة بالقلق والغموض. شخصياتها مثل الممثلين على خشبة المسرح حيث كل لوحة هي قصة تريد من خلالها أن يتعمّق فيها الناس ويستكشفوها.
عالم أندريا الخيالي محلي وبري: عش الأرانب في حضن النسوة، والسمان يجلس في أيديهن، والعث يهبط على بلوزاتهن. حتى عندما تكون شخصياتها في مشهد داخلي، يتطفّل العالم الطبيعي عليها. تجتمع ثلاث نساء حول الطاولة في العيد. تهب الرياح عبر النوافذ المفتوحة على مصراعيها، ويلمح شعرهن الذي تجتاحه الرياح إلى مشاعر قد تتصاعد تحت المظهر الخارجي المتحكّم فيه وتخفي تعابير النساء الغامضة مشاعرهن الحقيقيّة. بينما يجلس الديك بجانب أطباقهن، ومنقاره يصل إلى رغيف الخبز. كل هذا منفذ بعناية وتقنية مجسّمة تجذب المشاهدين إلى الحدث.
تضم لوحات كوتش في أقصى حدٍّ أربعة أفراد مكوّنين مشاهدها المجازيّة باستخدام لوحة الألوان والاستعارات من مواسم وطقس مدينتها التي تهوى، ميشيغان، هناك حيث يتنافس السكان المحليون على الاهتمام بالكلاب والدجاج والأرانب والسمَّان والفراشات والطيور المائيّة والحيوانات الأخرى، العديد منها له معانٍ مجازيّة تاريخيّة، تتفاعل مع حيوات النساء. تثير السيناريوهات المؤرقة التي تشبه الحلم كلّاً من الكآبة والحنين إلى الماضي، مما يمنح كل عمل ميزة غامضة ومشوقة.
كتبت كوتش في بيانها الفني: "إنّ المناظر الطبيعيّة الأمريكية المنعزلة والمقفرة التي تشمل موضوعات اللوحات بمثابة استكشاف لقدسيّة الطبيعة وانعكاس للروح البشريّة، وترمز إلى كلِّ الأشياء القويّة والهشّة والأبديّة".