محمد شريف أبو ميسم
لا تحتاج الحرب على الفساد والمفسدين إلى إعلان وتطبيل إعلامي، فقد أثبتت التجارب فشل اسلوب التخويف، لأن المفسدين ما عادوا أفرادا ليخافوا، وان استفزازهم قبل جمع الأدلة وتبييت النية للاطاحة بهم ليس بصالح المعركة.
فال حرب على الفساد والمفسدين يمكن أن تكون أشرس من الحرب على الارهاب، ما لم تفكك العلاقة بين “برغماتية السياسة وديناميكية الفساد”، ليس لأن المتمترسين في خنادقها هم أكثر الناس شراسة في توظيف وسائل الإعلام، وتبجحا بالحصانة المجتمعية وأكثرهم تشدقا بالشرف والنزاهة وربما الشعار الديني وحسب، بل لأنهم خبراء في ممارساتهم التي يجيدون فيها استخدام أدوات التحوط ومسح آثار فسادهم، وفي أحيان كثيرة ترهيب صغار الموظفين، وفي مراحل متقدمة من الحرب تجيير الإعلام والمواقف السياسية، فهم أكثر الناس حصانة في الخنادق السياسية والطائفية.
وفي أسوأ الحالات يقدمون القرابين البشرية، بوصفها نماذج مفسدة دون علمهم دفاعا عن أنفسهم.
لقد مارس المفسدون على مدار سنوات ما بعد الاحتلال، أكثر أنواع الفساد جرأة بفعل التخندقات الطائفية والتصارعات السياسية، وفي الغالب كانت ممارساتهم قائمة على ترهيب صغار الموظفين، بعد أن جيرت مؤسسات الدولة لهذا الحزب أو ذاك أو لهذه الطائفة أو تلك، لتكون امبراطوريات تابعة لأوامر جهات بعينها، وما على صغار الموظفين إلا الانصياع والالتزام بالأوامر الشفاهية، خشية الوقوع تحت غضب هذا أو ذاك من عرابي الفساد في ظل إرهاب التصارع الطائفي، وهكذا كانت “المعاملات والتداولات والمناقصات والتندرات وسواها” من المسميات الاجرائية تسير بتواقيع صغار الموظفين خشية من نيران الغضب السلطوي.
وعاث المفسدون فسادا على فساد، وما من جهات تحمي صغار الموظفين الرافضين لمسارات المفسدين ونهجهم الاستبدادي من العقوبات القاسية، إلا من احتمى بحزب أو بطائفة أو لاذ بصمته متبعا أسلوب ربط الحمار موضع ما يريد صاحبه.
وحين أعلنت الحرب على الفساد، وجدنا أضعف خلق الله وربما أكثرهم نزاهة من الموظفين وراء القضبان، بينما يطل عليك المفسدون عبر شاشات التلفاز، بوصفهم آلهة الدفاع عن النزاهة، نعم للحرب أخطاء، وربما يسقط الأبرياء بنيران المدافعين عن الحق، ولكن ليس من المعقول تكريس أدوات براءة المفسدين، الذي نهبوا المال العام، واستبدوا بطغيانهم وتمترسوا حول أدواتهم الشيطانية على حساب الضعفاء من الموظفين الصغار، دون اعطاء مساحة لروح القانون وعدم التوقف عند التوقيع على هذه الورقة أو تلك، اذ إن المهم هو النظر للمستفيد، ولمن يقف وراء أصل الموضوع.