الجريمة والكوكا

آراء 2023/07/16
...






 د. جبار خماط حسن

 ليست رواية على شاكلة الجريمة والعقاب، بل واقع كثرت فيه ظاهرة الحشاشين، وزاد حضورهم كمًا ونوعًا، واقع وقوده الفقراء الذي يهربون من قسوة الحياة، إلى الوهم الذي تتيحه المادة المخدرة، تعددت العناوين، وجريمة استلاب الذات والآخر واحدة.
قالوا في المواد المخدرة، إنها تجعل الجبان شجاعا، والصامت متكلما! وليس مستغربا، ما لجأت اليها عصابات داعش الإرهابية في حربها التوسعية، إلى استعمال المواد المخدرة، التي جعلت من مقاتليها مغامرين مندفعين، وكأنهم في فيلم من الخيال الجامح، الذي لا علاقة له بالواقع واشتراطاته الموضوعية.
معادلة جديدة في استثمار ما هو سلبي/ المخدرات، لتكون في رأيهم معادلا لهدف يسعون اليه، لكن تراكمه جعلت منه وبالًا على من استعمله، فلا خلاص من الأثر السلبي إلا باجراءات نوعية، لها القدرة على الحد من مخاطر المخدرات والفقر على البناء المجتمعي المتوازن.
فلو اخذنا العلاقة الجدلية ما بين الجريمة والمخدرات، تصل إلى نتيجة، مفادها بتهديم المستقر في الأفكار والقيم والسلوكيات الايجابية داخل المجتمع.
الجريمة والكوكا، اختزال وتكثيف لمشكلة قديمة وجديدة في آن معا، يتصل احدهما بالآخر، تؤدي إلى تصدع البناء المجتمعي، تتم بواسطة فعل يغيب العقل والتعقل، ويزيد من المغامرة التي تصل إلى الجريمة.
ما هي الأسباب الموضوعية، التي تجعل الجريمة والمواد المخدرة منتشرتين؟
إنه الفقر يا سادة يا كرام.
كثيرا ما نسمع إنهم يعيشون مرحلة تحت خط الفقر، ومنهم في بحبوحة من العيش، واقع اجتماعي بتراتب، فوق الخط وتحته أو بالتماس معه، إن هي إلا تقسيمات جائرة لواقع صعب، تلقي بظلالها القاسية على المستقبل القريب أو البعيد!.
 الميسورون حلقوا عاليا، تجاوزا جميع الخطوط، رغد العيش شعارهم، متناسين أن ما يتمتعون به، على حساب جوع الفقراء وحاجاتهم التي يبحثون عنها في الطرقات! مشاهدات صادمة نراها على صفحات الفيس، امراة كبيرة أو شيخ طاعن، يبحثان في القمامة، تقيهما الجوع لساعات أو يوم أو بعض يوم!
 ‏واقع يرتدي ثوب الصدمة، يراد له أن يكون ورديا، خدوده منفوخة، وكأننا في مراكز لإيقاف الشيخوخة في وجه تعود عليها! ما يفيده لا سيلكون نفخ ولا لدائن شد! في فقه المعاملات، قالوا من كان تحت خط الفقر، هم المساكين، الذين لا يحصلون على قوت يومهم، هل عليهم الوقوف طوابير أمام المؤسسات الحكومية أو المدنية؟ عطايا شحيحة على حساب الكرامة، هل نجد في هذا حلا لمشكلة أصبحت متفاقمة؟ ما هي إجراءات المعالجة للمشكلات، التي أفرزتها ظاهرة الفقر؟ الجريمة مقاومة سلبية بتوهما صاحب الجريمة، يرفضها القانون، لأنهم سلكوا طريق الجريمة سبيلا لإعلان مقاومتهم للفقر!.
هذا التقسيم الجائر لطبقات وأحوال البشر اقتصاديا، جعل منسوب العدالة غير مستقر، تاركا نصيبا وافرا من الاستياء أو الرفض المعلن تارة والمضمر تارة أخرى، الامر الذي قد يتحول- مع غياب الحلول الناجعة - إلى منجم للجريمة، يعمل فيه من أصابته حمى الفقر والعوز الشديد، ليسلك طريقا بالجريمة، التي تزداد بنسب طردية مع زيادة منسوب الفقر!
في الصين القديمة كثرت الجريمة وانتشرت، أصبحت وبالا على الناس الآمنين، فما كان من السلطان أو الحاكم، إلا اللجوء إلى المصلح (كونفشيوس) لإيجاد حل، يؤدي إلى ايقاف تفشي الجريمة، بعد تفكير عميق في المشكلة، توصل إلى نتيجة مفادها بان الفقر، هو أس المشكلة، ما هو الحل؟ قال ما على الأغنياء إلا توزيع ثرواتهم بعدالة، ليكون الناس في حياة اقتصادية مستقرة، فعلا بعد تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية، غابت الجريمة واستقر الناس في حياتهم!
من منا لم يسمع المقولة التي رددها الإمام علي بن أبي طالب “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، خلاصة أراد منها مواجهة المشكلة، من دون الفرجة عن بعد، الفقر يتزايد ويكبر بسرعة مثل كرة ثلج، تتحرك بسرعة هائلة نحو المجهول! قالها صراحة، لا بد من المساواة حلا، فالناس سواسية كاسنان المشط، لهم حقوق وعليهم واجبات، لا يمكن أن نعطي لفلان، والآخر يتفرج، اذ يتمتعون بخيرات الدولة على نحو من العدالة والمساواة، تترك اثرا طيبا في النفس، ينعكس إيجابا لدى الناس، يزداد الانتماء لديهم.
 كثر حديث الشعب عن محبوبته، التي تسمى حياة كريمة في وطن، يحقق للناس استقرار حياتهم.
غير أن الصراع والمقاومة، لا يسمحان لحركة المساواة والعدل بالاستمرار، فأصحاب المال لا يسمحون بهذا، لأنهم تعودوا العيش على اكتاف الفقراء.
لماذا يجوع الناس والثروات من حولهم، لماذا يتمتع الاغنياء في حياة سعيدة، ومن حولهم جوعى بسبب الفقر؟
يرجح (ابن كثير) أن العالم الإسلامي عرف المخدرات في القرن الخامس الهجري، إذ يذكر لنا أن (الحسن بن الصباح) كان زعيما لطائفة الحشاشين، وكان يقدم لاتباعه الفقراء، طعاما يؤدي إلى تحريف مزاجهم، وفساد أدمغتهم، اما (المقريزي) يرى بأن ظهور الحشيشة كان في أواخر القرن السابع الهجري، وكان يسمى بحشيشة الفقراء!
والكوكا نبات يعرفه جيدا الناس في أمريكا الجنوبية، يستعمل مع الأطعمة والمشروبات ومنشط في العمل، ومنه تم تصنيعه ليخرج لنا الكوكايين المحرم استعماله إلا للاغراض الطبية، عرفته الاقوام القديمة قبل 5000 سنة، وما زال إلى الآن نشطا ومنتشرا في الاماكن التي تكثر فيها نبات الكوكا.
انتشرت المخدرات في حروب الولايات المتحدة الامريكية واليابان والمانيا، يجهزونها للجنود بشكل منتظم، وحين انتهت الحرب، زاد الطلب عليها!.
 امام هكذا مشكلة تهدد مستقبل الناس بسبب الفقر، هل تتحول الدولة إلى رعاية اجتماعية، تعطي اموالا للناس؟ هل يمثل هذا حلا أم هروبا إلى الأمام؟.
مسؤولية الدولة تنشيط سوق العمل، مع تسهيلات للحصول على فرصة عمل مناسبة، والتعاون مع القطاع الخاص، في توفير وضمان تشغيل أعداد هائلة من العاطلين عن العمل، الذين نجدهم في المقاهي أو على الطرقات أو يسهرون إلى الصباح وينامون النهار، هربا من مواجهة الفشل الذي يطاردهم!.