دان سكوت
ترجمة: مظفر لامي
في أعمال ليست بالقليلة في تاريخ فن الرسم، لجأ بعض الفنانين لكسر قواعد التكوين أو الإنشاء composition في الرسم، لكن ذلك لم يمنع أعمالهم من الوصول لمبتغاها، ومن أجل الإحاطة بهذا التوجه الذي يكون في العادة مبرراً، سنتناول بعض الأعمال التي أثبتت أنَّ هذه القواعد ليست قوانين صارمة، وأن النظريات والإرشادات إنّما وجدت لحاجة تؤدي غرضها دائما، لكن يجب معاملتها على أنها مبادئ توجيهيَّة أو اقتراحات وليست قوانين لها صفة الإلزام.
ولنتفق أولاً أن الغرض من تناول هذه الأعمال هنا هو للتنويه بجودتها وفعاليتها وليس لتقديمها على أنها نماذج يجب تجنبها.
ولنبدأ بلوحة الفتاة المبتسمة لأبرام آركييبوف، التي يصل رأس الشخصية فيها للحافة العلوية من اللوحة، ولم تترك المساحة الفارغة المعتادة أعلى الموضوع، لكن هذه المخالفة الصريحة لعبت دوراً في إضفاء لمسة حميميَّة على اللوحة، ومثل هذه المعالجة والتأثير الذي نتج عنها تكررا في لوحة (زوجتي وبناتي في الحديقة) لخواكين سورولا. في لوحة آنا هيلز (المد والجزر) دُفع خط الأفق إلى أعلى اللوحة في تجاوز صريح لقاعدة الأثلاث التي تترك مساحة كافية للسماء. لكننا نتفهم رغبة الرسامة لجذب انتباهنا لاندفاع المياه نحو الساحل. في لوحة كلود مونيه (زنبق الماء) نلاحظ أن الجسر يتماثل في قيمته اللونيَّة مع الخلفية الأمر الذي يجعل اللوحة خالية من نقطة محوريَّة. وهي تقنية تتكرر في أعمال كثيرة لمونيه، تخلى فيها الرسام عن نقطة جذب معينة؛ ليكون التركيز موزعا بين اللوحة بمجملها. ومثله فعل بيير أوغست رينوار في لوحته (حديقة الورود)، فضلا عن تجاهله للمسافة المفترضة فوق خط الأفق. وفي حالة استغناء واضحة عن قاعدة التوازن في لوحة دان سكوت (كوبي)، قد يتبادر لنا أن رسم الشجرة في الجانب الأيسر، كان سيُنشئ توازناً ملحوظاً مع موضوع اللوحة، لكن الرسام في بعض الأحيان يفضل رسم المشهد كما يراه ولا يعيد توزيع عناصره من أجل تكوين أفضل. وفي ذات الفكرة نلاحظ كيف اندفع رأس الفتاة لأقصى اليمين في لوحة إدﮔار ديـﮔا (الراقصة) تاركا مساحة كافية للجسد والثوب؛ ليتفاعلا مع الجدار والأرضية بقيم لونيَّة وخطوط باستيل توحي بمرونة الراقصة. في لوحة إدوارد مانيه (حفل مقهى)، يقودنا خط رؤية الرجل خارج حدود اللوحة، في توظيف مبرر، أظهر حيويته واندماجه قياسا بالفتاة الساهمة التي تجلس بجواره. وعودة لقاعدة الأثلاث نلاحظ في لوحة (غيوم) كيف بالغ الفنان توماس كول في دفع خط الأفق للحافة السفلية في اللوحة من أجل إضفاء طابع دراميٍّ على حركة وتشكل الغيوم. وفي لوحة أخرى له بعنوان (مسار الإمبراطورية) عمد لوضع خط الأفق في المنتصف في تداخل مثير بين كتل الغيوم ومشهد يعكس الطبيعة البدائية البكر في حقب مبكرة من التاريخ. ومن بين أعمال فنسنت فان كوخ، نجد في لوحة (قوارب الصيد في البحر) ارتفاعا ملحوظاً في خط الأفق ومساحة محدودة تشغلها القوارب، بينما تركت المساحة الأكبر في اللوحة لضربات فرشاة بسيطة وتلقائية تجسد تلاطم أمواج البحر. وفي لوحته (الزارع عند الغروب) رسم الشمس في المنتصف، ورفع خط الأفق أكثر مما هو مفترض، أما خط رؤية الشخصية فجعله يتجه نحو نقطة خارج اللوحة، لكن الناظر لهذه اللوحة لن يشعر بتأثير معطل لهذه الاجتهادات على السمة التعبيرية فيها.
نستنتج من هذه الأعمال وكثير غيرها أن القواعد يمكن أن تكسر في العمل الفني، ورغم ذلك نحصل على نتيجة طيبة، لكن يفترض بنا أن لا ننسى أن النظريات والقواعد وجدت لأسباب معينة علينا فهمها والاسترشاد بها، لكننا قطعاً غير ملزمين بإتباعها.