عامر العبيدي.. الفن المتجدد ومعرفة التراث

ثقافة 2023/07/17
...

 خضير الزيدي 


لم يكن عامر العبيدي ذلك الفنان الستيني بعيداً عن تحقيق ما أنجزته جماعة المجددين من منجزات في الفن سواء عبر خطاب الحداثة أو استلهام الموروث الشعبي والتراثي، فقد سعت تلك النخبة المتمثلة بـ (سالم الدباغ، وصالح الجميعي، وفائق حسن ونداء كاظم وطالب مكي وسلمان عباس) إلى مواكبة كل جديد منطلقة من فهم خالص للتاريخ والتحولات السياسية واستلهام الموروث بعيدة عن تمجيد السلطات إلا سلطة الفن الحقيقي وتمثيل الواقع والتوجه الى إحياء الذاكرة وترسيخ خطاب الثقافة. 

ولهذا أدرك فناننا العبيدي منذ بداياته أن ما يسحر المتلقي يكمن بما تزخر به معطيات التراث العربي وقد عثر على عنصر (الخيول الجامحة) وجذره التراثي ليعلن عن شعوره واندفاعه برسمها وتوظيفها اعتبارا من منطلقات الرمز التراثي العربي فكانت الأشكال لها خاصيتها وبدت مهاراته الأسلوبيّة مشروطة بالنجاح والمفارقة معاً ولعل المختلف هنا بين خيول العبيدي وفائق حسن بأن واقعيّة فائق كانت أقرب لمظاهر الحياة اليومية للقرية والريف بينما بدت خيول عامر العبيدي وكأنّها سلسلة مظاهر للحديث عن اشتغال نفسي وادراك ما يعنيه تحول الأشكال من ذوق وضرورة لفهم الأسلوب ومغزاه الفني والجمالي فغامر بإنجاز عشرات المعارض الشخصية في رسم لوحات تمثل للمتلقي جوهر الحقيقة في ادراك القيم الجمالية، فكيف تحقق ذلك النجاح وكيف استخرج عناية الشكل وهو يرسّخ لنا جذرا موضوعيا مقتبسا من التراث العربي مع أن ذلك العنصر خضع لأكثر من مختبر وأسلوب فني بمعالجات فنانين منذ زمن قديم كالفنون الإسلامية، ولكن لكل فنان وجهته التي يبتغيها لتبقى عناصر الخيول عند هذا الفنان المقبل من مدينة النجف والمولود فيها عام 1943 من أسرة دينيّة مرتكزا متعالقا في إبداء نزعته الشكليَّة والتعبيريَّة؟، لم لا وقد حقق في طفولته إنجازا قربه من الفن فأخذ والده بيديه لعوالم الرسم فحقق في العشرينيات من عمره المركز الأول في المهرجان الدولي للفنون في إسبانيا. فكان منذ ذلك الوقت محل 

اهتمام النقاد ومتذوقي الفن التراثي.

لا يخفى على المتلقي أن الفنان العبيدي مغرم بطريقة رسم لها سمات أسلوبيّة تميزه عن غيره وأجد أن الغالب من الستينيين انشغلوا بتأكيد طرائق تعبيريّة لها جاذبيّة تلقي في عين من يتأثر بالتراث والموروث وبني هذا النمط في بداياته عبر رسومات جواد سليم وتوظيفه للبيئة العراقية وترسيخ جذر الهوية المحلية واكتسب الباقون من أساس هذه الفكرة تحولاتهم فشق كل فرد من الستينيين طريقا يميزه. والملفت في عامر العبيدي أنه توغل كثيرا في التعامل مع عناصر الخيل وجعلها ممكنات بصرية متغيرة الاشكال والقوام ومزج في الغالب منها بطريقة تلوين مؤثرة جماليا فتراه يوجه عناية المتلقي إلى طبيعة الاشكال وتعاقبها وبدت مغرية وكأنها المصدر الوحيد الذي يوظفه في ذلك الأسلوب الفني مع أنه رسم المآذن والقباب والطيور وعناصر تشخيصيّة أخرى كالإنسان بأوضاع مختلفة لكن الحقيقة انه انجذب لطبيعة فن لا يقترب من التبسيط والرثاثة بل بدت رؤية الفنان مندفعة لتمتلك ممارسات تحمل جذرا من تراث المكان العربي سواء عبر الصحراء او البطولة الأسطوريّة للفاتحين العرب وأهم ما يميز لوحته أنها تحقق التناسب في تعزيز الحركة فالأشكال واضحة الخطوط والألوان في طاقة من الانسجام يضاف لها أن عناصر الخيل في اللوحة تبدو هائجة وذات عنفوان، كأن العبيدي يرسم حربا حامية الوطيس وفي الغالب تبدو حركة الارجل في مقدمة العمل بينما ترى اللوحة ذات فضاء مفتوح وهي اشارات تنسجم مع أرض المعركة الكبيرة وينجح هذا التصور حينما نجد أن استخدام الفنان بقي ثابتا في موضوع التكرار والتماثل حتى في أعلى الطرق التي ينجزها في العمليات الزخرفية وهي أقرب للفن الاسلامي لو نوقش الأمر من باب سمات التسطيح وتوظيف الزخارف وحتى الأشكال الهندسية التي تتبين للمتلقي من خلال أجساد الخيول وهو ما يذكرنا بما عمل عليه (يحيى الواسطي) لتوظيفه للخيل والجمال في مخطوطة (مقامات الحريري).