د. عبدالواحد مشعل
لا أحد ينكر دور ثورة 14 تموز في تحرير الإنسان العراقي من قبضة الإقطاع، وظلم الفوارق الطبقية، وتخليص العراق من قيود حلف بغداد، ووضعه على طريق التحرر السياسي، وإصدار القوانين، التي نقلت الإنسان إلى مرحلة جديدة من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي.
وكسر قيود القهر والعبودية، مثل قانون الإصلاح الزراعي وقانون إلغاء دعاوى العشائر وقوانين الخاصة بالأحوال الشخصية، وإنصاف المرأة والقوانين، التي وصفت بالاشتراكية في حينها وخدمة الطبقة الفقيرة، وغيرها من القوانين، التي يمكن وصفها بأنها كسرت كل القيود، التي كانت تقيد الوطن بكامله، ووضعه رهينةً للسياسات الاستعمارية، كما كان الزعيم عبدالكريم قاسم من طراز الزعماء الوطنيين، الذين وضعوا كرامة وحرية البلاد في أولى أولوياته، على الرغم من دخول العراق اتون الصراعات والنزاعات الأيديولوجية، وما وقع جرائها من أخطاء ذهب ضحيتها الإنسان العراقي، إلا أن مسار الثوره كان مسارا تقدميا أثار حوله المؤامرات الإقليمية والدولية، فضلا عن إرباك النزعات المحلية له، والتي لم تعطِ الثورة المجال الكافي للنهوض بالبلاد، لكن الذي بقيَّ يحز في نفوس العراقيين، حتى المرحلة الحالية، هي تصفية العائلة المالكة الكريمة، من دون مبرر، ما وضع الثورة في معادلة صعبة بين تحرر البلاد وجريمة ارتكبها أناس، لم يكونوا بمستوى أخلاقية الثورة، لا سيما أن العائلة المالكة آنذاك.
لم تقاوم ولم ترفع السلاح، ولم يكن لها أي نشاط مضاد للثورة، إنما أبدت رغبتها بمغادره البلاد أو العيش بسلام، وقد يتساءل سائل لماذا هذه الدموية غير المبررة، فالبعض يرجعها إلى طبيعة الشخصيه العراقية نفسها فيصفها بالانفعالية والحماس، ثم البرود والندم، وإذا كان الدكتور باقر ياسين، قد تكلم عن تاريخ العنف الدموي في العراق، مقارنا بين أهل العراق واندفاهم وعنادهم وسطوتهم، وأهل الشام وعقلانيتهم، فإن المسألة مرتبطة بعوامل نفسية وأيكولوجية اجتماعية وثقافية، والبعض الآخر ارجعها إلى طبيعة التكوين الاجتماعي المرتبط بمراحل الصراع، الذي مر به العراق منذ الحضارات القديمة من صراعات داخلية وخارجية، حتى يشيرون إلى الشخصية العراقية بالشخصية المقاتلة الجسورة، كما حصل إبان حضارة بابل، وحضارة آشور، التي امتدت إلى بلدان واسعة في زمانها. وفي إطلالة ذكرى ثورة 14 تموز.
لا نريد أن نحمّل الثورة مسؤولية ذلك بالكامل، ولكن التحليل يتعدى ذلك إلى فهم طبيعة التكوين النفسي والثقافي للشخصية العراقية، ذات الامتداد الصراعي بين البداوة والحضرية، كما ذهب إلى ذلك العلامة الدكتور علي الوردي، ولو كان الأمر غير هذا التكوين، لحصل للعائلة المالكة كما حصل للملك فاروق ابان الثورة المصرية سنة 1952، وإفساح المجال له وأسرته بمغادرة البلاد، ولا شك أن الآثار، التي تركت الثورة في المجتمع العراقي بسمة على مجمل الحياة في البلاد، إذ إنها نقلت المجتمع إلى مرحلة اصبح فيها للفلاح والعامل والموطن صوت مسموع.