علي رياح
هكذا هو دأبنا على الدوام؛ لا تظهر التخبّطات إلا في المنعطفات المهمة، ولا تبرز الفوضى إلا عند اللحظات الحاسمة، ولا تتجسد إشكالياتنا الإدارية إلا في الاستحقاقات الأكثر أهمية.
في عام 1981، أهدرنا واحدة من أسهل الفرص للوصول إلى نهائيات كأس العالم في إسبانيا 1982.. سنعترف حتماً بأن إعداد المنتخب جاء في أخطر مراحل الحرب مع إيران حيث كان النشاط الكروي منعدماً، وحيث كانت النخبة من لاعبينا تتدرّب على السلاح في الساحة المفتوحة لنادي الأعظمية بينما تتطلع الأنظار نحو تصفيات ستنطلق عمّا قريب!.
في ذلك المفترق لم يكن لدينا اتحاد كروي بالمعنى المتعارف عليه بعد حَلـّه عام 1980، لتتولى لجنة مشكّلة من اللجنة الأولمبية برئاسة أموري إسماعيل حقي وعضوية فهمي القيماقجي وشوقي عبود إدارة شؤون اللعبة تحت ظل الغارات وشبح الدمار.. اللجنة بدورها واستثماراً للوقت المتاح أمامها لم تجد أفضل من مدرب القوة الجوية المونتينيغري فويا خياراً لقيادة المنتخب ويساعده نجمنا الكبير دوكلص عزيز، وكان أمام الجميع أسبوعان فقط للتجمع ومحاولة التدريب حين يسدل الليل ستاره خِشية الغارات، قبل السفر إلى الأردن لخوض مباراتين شهدتا فوزنا بنتيجة واحدة هي (2 - صفر)، في المرة الأولى سجل لنا فلاح حسن مرتين، وفي الثانية كان الهدفان بإمضاء ناطق هاشم وسليم ملاخ، ثم كان على منتخبنا أن يطير في رحلة مُرهقة إلى المغرب للقاء منتخبها، انتهى بالتعادل السلبي، وبعدها جاء التوجه إلى الرياض لخوض مباريات مجموعتنا في تصفيات المونديال.
ذهب الوفد العراقي إلى السعودية بتجهيزات محدودة جداً تكاد لا تذكر، وهذه معلومة تبدو غريبة، لكن هذا ما حدث بالفعل ليتولى محمد دبدب رئيس الوفد مهمة البحث عن منافذ سعودية لتجهيز المنتخب. خاض المنتخب غمار التصفيات برغم (النقص) في كل شيء، حتى اللياقة البدنية كانت في حدودها الدنيا بسبب تعطيل النشاط الكروي كما وصفها المدرب فويا قبل المشاركة، ووفـّـق المنتخب في الفوز على قطر ثم خسر أمام السعودية، ليعلن المدرب أن المنتخب العراقي كان يلعب بعشرة لاعبين (بعد طرد عادل خضير) في مواجهة أربعة عشر لاعباً هم المنتخب السعودي زائداً طاقم التحكيم الثلاثي، تصريح لم يغير من الواقع شيئاً، فلقد ظهرت في الأفق ملامح ضياع تذكرة الصعود عن المجموعة، وفاز على البحرين، ليلقي المدرب فويا على أسماع الجميع بالخبر الصادم: (توفيتْ أمّي).
كان مناخ المنتخب في أسوأ ما يكون قبل أن يعلن المدرب عزمه الثابت على ترك المنتخب والسفر إلى بلاده، بينما بقيت لدينا مباراة وحيدة وأخيرة أمام سوريا قاد منتخبنا فيها المساعد دوكلص عزيز وانتهت بفوز لم يكن يسمن أو يغني من جوع، فضاعت من العراق فرصة من ذهب للتأهل إلى دور لاحق من التصفيات. وكما جرت العادة، كان رد الفعل هنا هجمة شديدة على المنتخب ولاعبيه ومدربه (الهارب) من دون أن يطول النقد الجهة الرسمية المسؤولة التي وجدت نفسها في حِـلّ حتى من ممارسة دورها، ثم كان من نتائج النكسة والخيبة أن يجري الإسراع في إعادة الحياة إلى اتحاد الكرة برئاسة مؤيد البدري هذه المَرّة، وأن يعود عمو بابا لتولي مهمة قيادة المنتخب في متوالية من حضوره وغيابه استمرت بعد ذلك لأمد طويل.