منتدی الحوار والتعاون الإيراني.. طموحات قلقة

آراء 2023/07/18
...

محمد صالح صدقيان
 أجری وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الشهر الماضي جولة خليجية، قادته إلى سلطنة عمان والكويت والدوحة والامارات في أحدث خطوة، لترطيب الأجواء السياسية والاقتصادية بعد المصالحة، التي رعتها الصين بين إيران والسعودية في شهر مارس/ اذار الماضي. عبد اللهيان التقی نظراءه في هذه الدول إضافة إلى كبار المسؤولين فيها، حيث بحث معهم العلاقات الثنائية والعلاقات الإقليمية وتحديدا ما يخص علاقة إيران بدول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث جاءت جولة عبد اللهيان الخليجية بعد الزيارة المهمة، التي قام بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لطهران.

وفي هذه الاجواء تتحدث وزارة الخارجية الإيرانيَّة عن مشروع “منتدی الحوار والتعاون” بين الجانبين الإيراني والخليجي تعتزم طرحه علی الدول الخليجية الست في اجتماع يعقد علی هامش اجتماع منظمة الامم المتحدة في سبتمبر ايلول القادم، يستند علی فكرة إعادة صياغة العلاقات الثنائية، بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة من جهة، ويحقق مصالح جميع الأطراف المعنية بهذا الحوار من جهة اخری.
لا توجد تفاصيل رسمية بشأن هذا المشروع، لكنها ليست المرة الأولی التي تطرح فيه إيران هكذا مشروع خلال السنوات العشر الماضية، لأنها قد طرحت في عهد الرئيس حسن روحاني مشروع “هرمز للسلام”، بينما طرح وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف فكرة “منتدی الحوار الاقليمي”، لكن المشروعين لم يلقيا الاذان الصاغية من لدن الدول الخليجية لأسباب معروفة تتعلق بتوتر العلاقة بين الجانبين علی خلفية التطورات الإقليمية والعلاقات الثنائية السياسية والأمنية.
المصادر الإيرانيَّة تتحدث عن تفاصيل فكرة “منتدی الحوار والتعاون” التي تستند إلى أربعة مسارات تأخذ بنظر الاعتبار الفرص المتاحة ونقاط القوة والتحديات.
المسار الأول الذي يسير باتجاه العمل لاعادة العلاقات الدبلوماسية إلى حالتها السابقة، عن طريق إعادة فتح السفارات والقنصليات، وزيادة الزيارات الدبلوماسية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتطوير السياحة.
المسار الثاني يتعلّق بالعلاقات الإقليمية، حيث تطمح إيران إلى خلق مناخ ملائم للتعاون والتوافق على نطاق إقليمي، من خلال تعزيز العلاقات الثنائية والعمل علی الانغماس بالخيارات السياسية، لحل أزمات المنطقة وتحديدا ما يتعلق بسوريا واليمن؛ مع الإيمان بضرورة وجود منطقة قوية لمكافحة التحديات الراهنة والمحتملة، وهو ما يتم الاتفاق عليه بالاجماع من قبل الدول المشاركة..
المسار الثالث يتعلق ببناء أطر سياسية؛ امنية واقتصادية تاخذ علی عاتقها مواجهة التحديات وصولا إلى ظهور منظمة إقليمية قادرة على مناقشة وحل القضايا الإقليمية البارزة على مستوى تفاعلي مع تقديم حلول جزئية والحفاظ على ضمان تنفيذي.
اما المسار الرابع فهو يعمل باتجاه تطوير “الأمن الجماعي” الاقليمي وصولا إلى منظمة اقليمية تعني بالامن والتعاون علی غرار ماتم لـ “منظمة الأمن والتعاون” الاوروبية، وهي كيان انتقل إلى منظمة رسمية بعد عقدين من الحوار الأمني منذ مؤتمر هلسنكي عام 1973.
وفي هذا المجال تبرز عدة ملاحظات علی هذه الفكرة أو المشروع أو الاقتراح، الذي يحاول اعادة صياغة العلاقة بشكل ستراتيجي مع دول لم تكن العلاقة معهم علی مستوی ثابت طوال السنوات الاربعين الماضية.
يبدو لي أن من اشرف علی صياغة هذا الاقتراح لم يستوعب طبيعة العلاقة بين الجمهورية الاسلامية الإيرانيَّة والدول الخليجية؛ كما أنه يجهل طبيعة الأسباب، التي أدت إلى رفض هذه الدول لجميع المشاريع السابقة، التي طرحت من قبل إيران؛ إضافة إلى أنه لم يأخذ بنظر الاعتبار الثوابت المختلفة التي يلتزم بها الجانبان حيال دعم القضايا الاقليمية والدولية استنادا لتلك الثوابت.
ان فكرة الاقتراح الجديد فكرة طموحة وهي ممكنة وبالتاكيد تصب بمصلحة دول المنطقة وتؤسس لحياة سياسية وامنية جديدة تقوم علی اساس المصالح المشتركة لدول المنطقة؛ لكنها تصطدم بالأسباب الثلاثة، التي ذكرتها وهي أسباب غير سهلة، ولا تستطيع أن تَهضم بهذه السهولة المسارات الأربعة، التي تضمنها الاقتراح الإيراني الجديد.
إن العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الإيرانيَّة والدول الخليجية مرت بمراحل متذبذبة بعد نجاح الثورة الاسلامية عام 1979 ولحد الآن. ويمكن تقسيمها لثلاث مراحل.
الاولی منذ 11 شباط فبراير 1979 تاريخ انتصار الثورة الاسلامية، وحتی 22 ايلول سبتمبر1980 تاريخ بدء الحرب العراقية الإيرانيَّة.
والثانية منذ العام 1980 وحتی انتهاء الحرب في 20 اغسطس اب 1988.
أما المرحلة الثالثة فبدأت من انتهاء الحرب وحتی الوقت الراهن. وفي كل هذه المرحل لم تكن العلاقات تسير بنمطية ثابتة، حيث سارت بمسار متذبذب؛ وتأثرت بالمؤثرات الداخلية والإقليمية والخارجية. ومرة كانت هذه الجهة هي المسؤولة عن التوتر والتأزيم وثانية كانت الجهة الأخری.
لا أريد أن أدخل في جدلية الأسباب والأطراف، لكن إدراك هذه الأجواء، يمكن أن تقودنا إلى وضع اقتراحات عملية واقعية تستطيع أن تؤسس لأطر سياسية جديدة من التعاون في الأمن والسياسة والاقتصاد.
أنا نبهت بأكثر من مقال وأكثر من دراسة وحديث ونقاش إلى قضية “الثقة” المفقودة بين الجانبين بشأن النوايا والتصورات والسلوك ؛ وهي جادة ذات اتجاهين يجب العمل علی تجاوزها بطرق “عملية”، ونظم “واقعية” لتعزيز هذه “الثقة”.
أنا أتفهم القلق الإيراني من السلوك الخليجي، وفي الوقت ذاته أتفهم أيضا القلق الخليجي من السلوك الإيراني. إن البدء ينطلق من هذه النقطة والاجابة علی هذا السؤال. كيف يمكن أن إزالة القلق عند الجانبين، وخلق أجواء العلاقات المستدامة، التي تستطيع احتضان مقترحات وأفكار وتصورات تخدم الأمن والسياسة، وتسهم في التكامل الاقتصادي، الذي تتطلع له كل شعوب المنطقة؟.
أنا قلت في مقال سابق أن طريق العلاقات الإيرانيَّة السعودية، لا يسير علی السجادة الحمراء، ويجب بذل جهود مضنية وواقعية لوضع هذه العلاقات على السكة الصحيحة، لأن هذه العلاقات ليست مهمة للبلدين محسب، وانما لكل دول المنطقة، ناهيك عن بقية دول مجلس التعاون الخليجي.