موسم الهجرة إلى الشرق

آراء 2023/07/18
...



 د. مزهر جاسم الساعدي

في ظل تنامي الأيديولوجية المتطرفة، لفرض الثقافة المثلية في العديد من المجتمعات الأوروبية، والكم الكبير من الترويج الإعلامي في وسائله المختلفة لهذه الثقافة، يظل سؤال انتهاء صلاحية القوانين القديمة، التي كانت تحث على احترام الأسرة وتكوينها الطبيعي، فضلا عن منظومة القيم الحاكمة لتلك البلدان، وإحلال القوانين التي تشرعن لهذه الثقافة، هو أبرز التحديات التي تواجه العديد من الجاليات العربية والإسلامية، فضلا عن المواطنين في تلك البلدان، لا سيما منهم الرافضين للاندماج مع متطلباتها.
 إن العديد من مواطني تلك الدول وجدوا أنفسهم محاصرين بين خيارين، أما أن يتعايشوا هم وأسرهم ويتقبلوا الزج بأولادهم وبناتهم إلى المدارس، ليتعلموا ما فرض عليهم في الكتب الدراسية، التي تؤشر بوضوح إلى الاندماج وقبول ممارسات المثليين أو ملاقات المصير المجهول بترك المدارس وضياع فرص الوصول إلى مراحل متقدمة من التحصيل العلمي والمعرفي، وكأن العملية توحي بان التعليم الأكاديمي في المدارس والوصول فيه إلى مراحل متقدمة، لا يمكن أن يكون بمعزل عن الإيمان بكونك مثليا أو مؤيدا للممارسات المثلية، واذا ما وصلت إلى هذه القناعة، حينئذ تضمن البقاء والاندماج مع المجتمع.
إن الغريب في امر هذه الأيديولوجية والمثير فيها، الذي يدعو إلى التساؤل، كيف استطاعت أن تحرز كل هذا الرضا من أغلب الحكومات؟ وكيف استطاعت أن تفرض نفسها بقوة على العديد من تلك الدول؟ بل كيف لها أن تكون ميزانا ومائزا، بين النعت بالتطرف والعنصرية وبين احترام حقوق الإنسان؟.
أزعم أن وصول العديد من الحكومات التي تنتمي إلى اليسار المتطرف في العديد من الدول، فضلا عن ترسيخ (مبدأ النفعية المطلقة كما يقول عبد الوهاب المسيري)، هو الذي فتح الأبواب مشرعة أمام غزو تلك الثقافة إلى المجتمعات وبذلك أخذت أبعادها القانونية، حتى في أعرق البلدان التي كانت توصم بكونها بلدان محافظة.
وإزاء هذا التهديد الذي يعدّه العديد من الرافضين، بكونه تهديدا وجوديا وضميريا يظل خيار الهجرة من تلك البلدان خيارا مطروحا إن كان من الجاليات الإسلامية أو من غيرها، ولعل البديل الأبرز والموضوعي، الذي يضمن التمسك بالمنظومة القيمية للعائلة وتكويناتها لا يتخطى أن يكون مكانه الشرق أو بعض البلدان، التي لا تزال رافضة لهذه الأيديولوجية، وبهذا ستتحرك العديد من القوافل البشرية صوبهم.
إن العراق ولعقود من الزمن ولأسباب مختلفة، ظل طاردا لكفاءاته المهنية في المجالات كافة، وقد انتشرت تلك الكفاءات في العديد من الدول، وبإزاء ما تقدم من تهديدات باتت تحاصرهم يوما بعد آخر، ستتحرك بوصلة العديد منهم صوب بلدهم، وربما أذهب إلى أبعد من هذا برغبة غير العراقيين بالقدوم إليه وتقديم خدماتهم في مجالات تخصصهم، وهذا الأمر يستدعي القيام بخطوات مدروسة وجادة توفر ما يضمن الإفادة من تلك الخبرات، ووضعها في أمكنتها الصحيحة التي تأتي بالمردود الإيجابي، وربما تحدث الفارق النوعي وتنقل بعض القطاعات إلى مراحل متطورة، فضلا عن تسهيل الإجراءات التربوية، التي تضمن الاندماج التام للأطفال العائدين واستيعابهم في المدارس مع الإسراع في معادلة المراحل الدراسية، التي وصلوا اليها في بلدان المهجر بما يوازيها في النظام التربوي دونما تعقيد وروتين يشعر معها العديد من العراقيين بالازدراء.
إن كل الذي تقدم لا يمكن أن يحقق أغراضه إن تعاملت معه مؤسسات الدولة وموظفوها كما تعاملت معه في بداية 2003 حين أعلنت بعض الكفاءات عن عودتها والاسهام في بناء بلدها، غير أنها وضعت في غير موضوعها، بل تجاوز هذا الامر في اذلال بعضها واجبارها إلى العودة من حيث أتت حين وضعت في مواضع يتسيد فيها بعض الموتورين، وربما أقول بعض جهلاء الموظفين، الذين تسلقوا إلى المناصب الوظيفية الحساسة في غفلة من الزمن.
أزعم أن العديد من القطاعات لا سيما منها القطاع الطبي والهندسي والتقني بحاجة إلى خبرات العراقيين، الذين يعملون في كبريات الشركات أو المستشفيات في الدول الأوربية، وفي حال عودتهم سنضمن العديد من الفوائد، شريطة أن نفتح لهم الأبواب للعمل ونقل الآليات التي يرونها صحيحة، التي تواكب التطور العلمي والتقني وتحقق المعايير المطلوبة. فضلا عن الاتجاه بقوة صوب توفير البنى التحتية التي تضمن لهم سلاسة العمل.
وبهذا الصنيع سنرمي الطعم لغيرهم ونحقق غرضين لا يقل أحدهم عن الاخر من الأهمية، اما الأول فهو فتح الثغرات، التي من شأنها أن تنال من اسطورة وسحر الدول، التي تدعي بكونها الانموذج الأمثل للعيش والديمقراطية وهوس الطامحين للهروب اليها، والثاني عدم التنافي بين امتلاك الانسان المقدرة العلمية والأكاديمية وبين أن يعيش، وما يؤمن به من قيم يجد فيها ملاذه الآمن له ولعائلته.
ليس الأمر صعبا أن نعد العدة لذلك، ونجعل منها في ضمن الاجندة الخاصة للطوارئ، حتى لا نتفاجأ والتعامل مع مثل هذه الحالات بموقف مرتبك، ربما يرتد عكسيا بشكل سلبي نضيع فيه أولادنا، ونبرر ما تقوم به تلك الاجندات مقابل تقديم الخدمات التي ألفها العراقيون في بلدان المهجر.
إنها دعوة للمؤسسات الدينية ولمؤسسات الدولة والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن الإعلاميين في برامجهم التلفزيونية وتقاريرهم الصحفية، بأخذ الموضوع على محمل الجد والأهمية، والتعامل معه بكونه فرصة كبيرة لاسترداد العراق جزءا كبيرا من رأسماله البشري المهدور، لأسباب شتى طيلة السنوات المنصرمة.