يعدّ أسلوب التحليل النقدي للأعمال الإبداعية الروائية والقصصية شُغلها الشاغل، ناقدة وأديبة اختارت أن تجمع بين التحليل الفني والنفسي، بطريقة تجعل المتلقي يطمح للدخول في تفاصيل هذا العمل.
الناقدة رنا صباح واحدة ممن عُرفن في الأوساط الثقافية باشتغالاتها التي تُعد بالكثير.
توقع آخر إصداراتها (مرايا ويَمام)، تمثلات التجريب في نصوص سردية مختارة، الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة، وما يجب الاشارة إليه أنّ الكاتبة اتخذت التجريب كمصطلح متفق عليه، ارتبط إلى حد بعيد بالثورة على الوعي الجمالي السائد، وهو يقحمنا في عالم الرواية، حاملاً في كنزته السردية مجموعة من التساؤلات، التي ليس من مسؤوليتها البحث لنا عن إجابات مغلفة بالفكر الجاهز، بل تترك ذلك يهيم في ذهن المتلقي في حين تعبر عن رؤية مغايرة للذات والمجتمع والتاريخ، ما يستدعي رفض المستقر والسعي وراء الانزياحات على المستوى الشكلي الجمالي للكتابة، والتي تظل مكمنا لتشكل خطاً جديدا يتأسس على وعي سردي مفارق، أي لحظة مفارقة غايتها التملص من سلطوية النموذج السابق عن طريق خلخلة الشكل والبناء، بما يشير إلى فوضى الواقع وتحولاته فضلا عن رغبة الروائيين المستمرة في خرق الثابت، ومخالفة أفق التوقع المعتاد لتوليد آليات وتشكيل شيء، يعدُّ في ذاته تمهيداً لمستوى النص الروائي، باعتباره وسطاً خصباً يوصلنا إلى ذلك الجزء المتماوج في طبيعة الإبداع.
وما أشارت إليه ايضا، أن الرواية التجريبية مشروعا للبحث عن كل ما هو جديد في صناعة الخطاب السردي، وهي من أوسع تجارب الإبداع العربي في العصور الحديثة، لما قدمته من تطوير على مستوى الأدوات والصيغ والتراكيب اللغوية والحيل السردية، وبذلك خطت خطوة كبيرة متجاوزة التقنيات السابقة، باحثة عن مكانتها الحداثية وإرهاصاتها التجديدية، وكيفية تميزها عن بنية النص الكلاسيكي بانعتاقها من كل الأبنية والقوالب المتبعة سابقا، فالتجريب قرين لكل ما هو مرتقب من إبداع في الرواية، على الرغم من أنه ليس تيارا ولا مذهبا أدبيا، إنما هي منهج فكري وطبيعة راسخة في شخصية الكاتب، الذي يروم الخروج على المألوف والسائد لغاية تحقق الإبداع في أبهى
صوره.
وما أكدت عليه أنها تؤمن بأن العملية النقدية تتعامل مع الأدب بعدّه الخيمياء، التي تحول الحقيقة إلى كلمات لتخلق بذلك ظاهرة جديدة تدعى الحقيقة الروائية، فهي تدرك أنه ليس من مهامها محاكمة الإبداع على وفق أحكام نقدية صارمة، وإنما عليها أن تأخذ أحكامها وطرائقها القرائية بمحاكاة التجربة الإبداعية ذاتها، من قناعة أن لكل نصًا سرديًا هيأته الخاصة وكيانه المستقل، وقد اهتمت بالتجريب لما يحمله من حيوية ودينامية، وما فيه من مناوشة النص الإبداعي والمساءلة المستمرة، التي تجدد آليات التفكير وتقوض الثوابت الساكنة والجامدة.
جاء الكتاب بثلاثة فصول تناول الأول منها التجريب على مستوى اللغة والسرد الروائي، والفصل الثاني كان يحمل عنوان التجريب على مستوى التقنيات، أما الفصل الثالث، فقد جاء بعنوان التجريب على مستوى الرؤية
والموضوعات.