هل من صحوة قادمة؟

آراء 2023/07/23
...

 حسب الله يحيى

في تاريخ الإنسانية، هناك أسماء مضيئة، تخلت عن مكانتها ومواقعها الاثيرة، لتنزوي في أماكن أخرى أدنى شأنا وأصعب عيشا. تولستوي الروائي الإقطاعي مثلا تخلى عن كل ممتلكاته وأراضيه، وراح يعيش الحياة البسيطة جدا مع الفلاحين، وبوذا ترك العيش الرغيد مع أبيه حاكم شمال الهند، وانصرف إلى الزهد، بينما عاش السيد المسيح في البرية، ثمَّ بدأ تعاليمه السلمية، وتخلي سارتر عن جائزة نوبل العالمية، مفضلا حياته التقليدية الخالية من الترف..

كثيرون.. أولئك الذين وجدوا انفسهم أمام الحقائق، التي لا تنسجم ولا تتلاءم مع قناعاتهم وافكارهم.

غير أن جميع الذين عاشوا تجربة الحكم في العراق، وعلى مدى عقدين من الزمن، وكانوا سببا اساسيا في فشل العملية السياسية في العراق، ومن ثم إلحاق الأذى بالبلاد والعباد.

إلا انهم مازالوا يصرون على البقاء، والحرص على أنهم أكفاء خلقهم الله لادارة البلاد.. بينما سواهم هامشي ولا يستحق أن يأخذ أي موقع يمكن أن يستحقه بكفاءة وجدارة.

هؤلاء يعتقدون أنهم الأهم والأفضل والأكثر قدرة على قيادة العراق وايصاله إلى بر الامان، وسواهم ممن يطالب بعيش امن وحياة مستقرة يعدونهم بأنهم يأخذون التعليمات من خارج الحدود، وكأن المطالبة بحقوق مسلوبة جناية على السياسة الراهنة وأنهم يؤتمرون بتعليمات خارجية

معادية.

هذا فهم قاصر، وفيه تجن على الناس الذين لا يشغلهم أمر مثلما لا يشغلهم الواقع المتردي، الذي يمر به عامة الناس واحوالهم من فاقة وتدهور على المستويات كافة..

ومع أن عددا من هؤلاء (الساسة ) ينتمون إلى طبقات اجتماعية فقيرة؛ إلا أنهم ودعوا تلك الطبقات وباتوا يتنكرون لها،بل اصبحوا اعداء الداء لها.. وصارو يتنكرون لها، بل مضى البعض الآخر منهم إلى استثمارها سياسيا وتحويلها إلى (نضال) و(سجون)، يتقاضى مقابله مبالغ طائلة من دون استحقاق منطقي مقبول.

هذا الحال نتبينه في هذه الفئة، التي تتبع الضلالة في حكم العراق والعراقيين، حتى أصبحت عدوى الفساد الاداري والمالي هي القاسم المشترك بينهم، والمعبر عن ارادتهم وشجاعتهم وكفاءتهم، وما زالت الضمائر ميتة والافكار معطلة والمواقف غير مستقرة على حساب المنافع والمواقع والمؤثرات، ذلك أن الأحوال لن تبقى كما هي حسب؛ وإنما ستزداد سوءا وتشكل ثقلًا كبيرًا على الناس.

إن محنة العراقيين؛ لا توازيهم محنة أي شعب ابتلى بأدارة تحكمه وتلقي بأبنائه في المنافي والسجون، أو تعمل على تهجيرهم وسلبهم أراضيهم وثروات بلادهم.. بدلا من العودة إلى النبع الصافي، الذي كانوا قبل متغيرات الظروف والاحوال وفداحة الاموال والممتلكات التي غنموها، في ظل ظروف طارئة غاب فيها القانون وما زال 

غائبا..

ذلك أن غياب القوانين الرادعة هي التي تحول دون مراجعة موضوعية للنفس، بل ان هذه النفس التي فقدت طهارتها ونصاعة مواقفها؛ استكانت إلى ما حصدته من اموال وما حصلت عليه من مكاسب ومواقع ومراتب في شتى الميادين، ولم يعد بوسعها أن تتخلى عن هذه المكتسبات، التي غدت هي الأساس في الحياة (الرغيدة)، التي يعيشونها بعيدا عن خلق الله.. 

وما دامت الأمور تحسب على أنها (استحقاقات) وأن ما شهدناه وما نشهده من مآسٍ ومرارات يحمل الكثير من الإصرار على البقاء إلى ما لا نهاية، على وفق هكذا أحوال.. وكأن هذا التباين الشاسع بين مسؤولين يعيشون حياة بالغة الترف، وبشر لا قدرة لهم على تدبير قوت حياتهم اليومية، وليس هناك من رادع ولا من ضمير يوقظهم، بل إن إي نهاية مغايرة يعتقدون أن من شأنها أن تلحق الضرر بهم.

ترى ألم يحن الوقت لكي تستيقظ الضمائر وتتنبه المشاعر ويعود الإنسان إلى إنسانيته وإلى قيمه وإلى واقعه الملموس، لكي يضيء الحياة، ويعمل على تغيير واقع لا يختلف اثنان بشأن 

رداءته؟.

إن متغيرات الاحوال لا يمكن أن تبقى إلى ما لا نهاية، ولا الرسوخ في مكانها لأمد طويل في حالة الاستسلام لما هي عليه الآن، ذلك أن لصبر الانسان حدودا وحدود الجوع والظمأ.. تتجاوز كل الحدود.. فهل من عظة؟