سعد العبيدي
من يلقي نظرة على المحافظات الجنوبية، يرى بما لا يقبل الشك مقادير تخلفها عن ركب المحافظات الأخرى في الوسط والشمال، ويرى أنها كانت كذلك طوال الأزمنة، التي مرت على العراق، ملكياً وجمهورياً، وقد يعتقد للوهلة الأولى أن الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية عام (1921) والى عام (2003) هي المسؤولية عن ذلك عمداً، بسبب انحيازها ونظرتها الطائفية في إدارة الدولة والحكم، لكن الأمر يبدو ليس كذلك، إذ أن الحكومات التي أعقبت التغيير ذلك العام جاءت جميعها وبحكم الأغلبية من أهالي الجنوب، وجاءت أكثر الأحزاب تأثيراً في مسلسل الانتخابات ومحاصصة الحكم من الجنوب، ومع هذا بقيت جميع المحافظات الجنوبية متخلفة عن باقي المحافظات، بل وزادت تخلفاً وفقراً، عندها لابد من التفتيش عن العوامل والأسباب، واسقاط متغير الحاكم والحكم في التأثير وتعمد التخلف، والا كان حكام هذا الوقت الجنوبيون، قد عملوا المحفظات الجنوبية أحد جنان الخالق تقدماً ونظافةً ورقياً، ويعوضون حيف عشرات السنين، وعندها لابد من التفتيش عن متغيرات أخرى ذات تأثير في حصول هذا التخلف، وعند التفتيش الدقيق نجد أنها عديدة، بينها وأهمها الانسان الجنوبي ذاته، طباعه، عاداته، تقاليده، ثقافته، تحسسه للتطور والبناء، فالشيوخ التي تتدخل وتعيق المشاريع على سبيل المثال هم في الغالب جنوبيون، وسلوك الاحتكام إلى العشيرة دون الدولة يقع في الغالب عند أهل الجنوب، وانتخاب الشخص الخطأ من الحزب الخطأ يتركز في الجنوب، وانتشار آفات المخدرات وأعمال التجاوز على الدولة وأمالكها تسود المحافظات الجنوبية، ومحاولات الارتكاز على الماضي الديني البعيد، وبما يخدر العقل ويعيق السلوك التقدمي الملائم للبناء كان وما زال ينتشر في الجنوب، منها وأمثلة كثيرة تؤشر أن الأبناء بوضعهم هذا هم من يعيقون التقدم والبناء، وهم من يتحمل المسؤولية، ومن بعدهم حكوماتهم المحلية التي لم تبادر وتستثمر في العقول، تركتهم وتركوا أنفسهم يعومون في بحار، دون بوصلة تطوير لا يمكن تأمينها دون تغيير السلوك، والاستثمار في العقول.