روائي الصراع السياسي سوينكا.. من المنافي والسجون الى الأدب والفنون

ثقافة 2023/07/23
...

 وليد خالد الزيدي  


لم تعرف أفريقيا أديبا قبل النيجيري وولي سوينكا توج بجائزة نوبل للآداب بجدارة عام (1986) كأول افريقي يحظى بها حتى وصفته الأوساط الثقافيّة والشعبيّة بالأديب والشاعر والروائي والمسرحي والناقد السياسي الذي عانى الاعتقالات وزج في السجون ونفي بعيداً عن أهله لمعارضته حكومة بلاده حيث اطلق سراحه عام (2004) فاحتفل مثقفو نيجيريا ودول أفريقيا بالبروفيسور الذي اعتقل لتزعمه مظاهرة احتجاج شعبيّة ضد الرئيس أوباسانجو لفشلها بمكافحة الفساد والجرائم ومطالبته بدستور جديد حيث نذر نفسه للدفاع عن الحريات العامة ووظف أعماله لكشف الممارسات السلبيّة وفضح السياسيين والقادة.

مرت قبل أيام ذكرى ميلاده التاسعة والثمانين حيث ولد يوم (13/ تموز/ 1934) في مدينة ابيوكوتا غرب نيجيريا وهو أحد أشهر أدباء العالم لتنوع أدبه بين المسرح والرواية والشعر والترجمة فشكّل مزيجًا حقيقيًّا لرؤيته ومعايشته لحضارته الأفريقية التي ينتسب لها دمًا ولحمًا ووجدانًا والحضارة الغربية التي عرفها طويلاً بالتجربة واللسان ونال جوائز محلية وعالمية كجائزتي جوك كامبل عام (1968) وأفضل نص لمسرحيته الاولى (الطريق) بمهرجان الفنون الزنجية بدكار (1966) وبعد نيله نوبل أصبح رمزا عالميا بالفكر والأدب فتغيرت النظرة الدونيّة تجاه أفريقيا لتظهر ما تزخر به ثقافتها من قيم إنسانيّة. ينتمي سوينكا لقبيلة اليوربا المسيحية وتخرج من جامعة إبادن (1952) وسافر الى بريطانيا لدراسة الأدب الإنجليزي فنال الماجستير وعمل مراجعًا لنصوص المسرح الملكي وبعد عودته عمل محاضرًا في أقسام الدراما بجامعات نيجيرية عدة وعمل أستاذًا للآداب بجامعة إيموري بأتلانتا الأمريكية ثم عاد لبلده عام (1960) واجتهد لتطوير المسرح النيجيري باكتشاف الأشكال الأفريقية القديمة فأنشأ فرقة (الأقنعة) المسرحية وعمل مخرجًا وممثلاً ومنتجًا وحاليًّا أستاذًا للأدب المقارن ورئيسًا لقسم الفن المسرحي بجامعة (إيفي) ورئيسا للمعهد الدولي للمسرح التابع لليونسكو في نيجيريا ورئيسا للمجلس العالمي للكتاب وسفيرًا للنوايا الحسنة الأمميّة.كتب سوينكا خمسة عشرة مسرحية في ستينيات القرن العشرين منها (الطريق) المترجمة للعربية عرضت لمدة طويلة في لندن تطرق خلالها لمشكلات حياة النيجيريين بطريقة تشبه التصوير الفوتوغرافي مادتها واقع الممارسات اليوميّة في طرق المرور السريعة كمسرح لأحداثها وشخوصها نماذج سائقي عربات النقل والشحن والبائعين المتجولين ورجال الشرطة المرتشين وصبّ جام سخطه على ظاهرة الفساد المنتشرة بين الطبقات المجتمعيّة الدنيا مطالبا بتغيير عام نحو الأفضل ورغم انتهاجه المذهب الطبيعي في الكتابة لكن يراه بعض النقاد انه سلك اتجاهًا متطرفًا للواقعيّة.  ونشر مسرحيته (حصاد كونجي) عام (1967) كعمل ساخر كوميدي تهكمي يجمع بين الخيال والواقع أحداثها حول تولي شخصية كونجي منصبا لرئيس دولة خيالية يقوم بعد تغلبه على (دابولا) القائد والزعيم الروحي القبلي باحتفال نصر ومهرجان شعبي شبيه بموسم الحصاد منتقدا الزعماء الأفارقة المعاصرين لمحاولاتهم الملتوية في إضفاء شرعية لمطامعهم والمبالغة في العظمة لدرجة التقديس واظهار خيبة أمل شعوب أفريقيا لإحداث تغيير حقيقي للأوضاع نحو الأفضل متأثرا بمستحدثات تكنيك المسرح الشعبي لقبيلة اليوربا المنتمي إليها بإدخال الرقص والموسيقى الشعبيين في حوار المسرحية ليمثل وحدة عضوية تربط بين اللغة والصوت والحركة. في روايته (المفسرون) يصور سوينكا هموم وتطلعات المثقفين الأفارقة واعتبرها وثيقة للذكرى شخوصها أصدقاء تخرجوا من الجامعة رغم قدرتهم التعليميّة فإنهم يبقون حائرين يسعون لاكتشاف أنفسهم وتفسير أمورهم الغامضة ورواية (سجلات من أرض أسعد شعوب الأرض) و(يجب أن تنطلق في الفجر) ليقتبس أمثلة اليوروبا مجموعته العرقية ليظهر توقف المرء عن الانغماس في المعارك حينما يشيخ كما نظم دواوين شعر بين (1967ـ 1969) منها (قصائد في السجن) خلال فترة اعتقاله.