عبد الهادي مهودر
قادتني الأحداث الأخيرة، التي أدت إلى أسوأ أزمة بين العراق والسويد، إلى البحث عن طبيعة الشعب السويدي وشكل حكومته المنتخبة ودوافعها، لمحاولة تفسير ماحصل وللتعرف على أسباب سماحها بارتكاب عملٍ عدائي مهين لمقدسات المسلمين وترخيص حرق نسخة من القرآن الكريم، وعلم دولة صديقة كالعراق، وتكراره أمام السفارة العراقية في ستوكهولم العاصمة، على الرغم من وجود جالية إسلامية كبيرة، من بينها مئات الآلاف من العراقيين، فوجدتهم شعباً يحب الهدوء والسكينة والطبيعة ويميلون إلى التعايش مع الآخر والتعرف على الثقافات الإنسانية المتنوعة، والسؤال هو كيف إذاً يصدر عن هذه الشعوب التي تهتم بقيمة الإنسان وصحته ورفاهيته وكرامته وحريته، عمل استفزازي عدائي يتناقض مع طبيعة حياتها وميلها المعروف للتعايش والهدوء والاسترخاء؟ حتى إن كان بواسطة لاجئ عراقي وليس من مواطن سويدي، لأن النتيجة واحدة والقبول متحقق حيث وفّرت له الحكومة السويدية المنتخبة، الرخصة والحماية اللازمتين، دون اكتراث للنتائج والمشاعر والعلاقات الخارجية، بل حتى جازفت بأمنها الداخلي ومصالحها في الدول الإسلامية، ووجه الاستغراب الآخر هو السياسة الخارجية السويدية القائمة على (مبدأ بناء الأمن بالتضامن مع الآخرين، وتجنّب التهديدات ضد السلام والأمن بالتعاون مع الدول والمنظمات الأخرى)، وهو ما يتناقض أيضاً مع سماحها بهذا العمل الذي ضرب كل شيء بعرض الحائط.
ومن الواضحات التي لا تحتاج إلى توضيح، أن سياسة الدول الغربية، ومنها دول الاتحاد الأوروبي، التي باتت تتوجه نحو فرض القيم الغربية على المجتمعات الإسلامية والتدخل في تربية الأطفال والشؤون الأسرية للمهاجرين على وجه الخصوص، من دون أي تحفظ، وليس صعود اليمين المتشدد إلى سدة الحكم في السويد، هو السبب الوحيد، بل جاء ذلك منسجماً مع التوجه الحاد المتقاطع مع المسلمين، والذي سيصل إلى نقطة تصادم حتمية تقضي على التعايش السلمي في نهاية المطاف، إذا لم يتوقف عند حدود احترام معتقدات وقيم وحريات الآخرين، ولو فرضنا جدلاً وقلبنا المعادلة، فهذا يعطي الدول الإسلامية حق فرض قيمها الدينية والأخلاقية على المجتمعات الغربية إذا كانت هي القوة المهيمنة على العالم.
وقد كانت السويد الدولة المفضّلة للمهاجرين العراقيين الذين اندمجوا في هذا المجتمع وأثّروا وتأثّروا فيه، وأظهرت المقاطع الفيديوية المنشورة صدمتهم واحتجاجهم وهتافاتهم وتكبيراتهم على اختلاف تنوعهم الديني والمذهبي، وتحمّلوا في هذه الأزمة النصيب الأكبر دون غيرهم من الجاليات المسلمة لكون منفّذ الحدث الآثم عراقي الجنسية أهان كتابهم المقدس، وعلم الوطن الأم، بل كان مؤلماً أن يرفع أمام أعينهم علم دولة السويد ويهين علم بلاده، إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون، أ يخون إنسان بلاده؟ وكان لافتاً أن يكون العراق وحكومته وشعبه وجاليته ومدوّنوه في مواقع التواصل الاجتماعي، الوحيدين المتصدين بالمواقف الشعبية والقرارات الرسمية في هذه المواجهة المشرّفة، ويكفينا شرفاً أن نبقى الوحيدين.