إيران تقابل العزلة الغربية بزخم دبلوماسي إقليمي

قضايا عربية ودولية 2023/07/24
...

 جيورجيو كافييرو
 ترجمة: أنيس الصفار  
خلال الثلث الأخير من شهر حزيران الماضي زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان دول قطر وعمان والكويت والإمارات العربية المتحدة. فانسجاماً مع سياسة "الجيران أولاً" التي تمثل المرتكز الأول لإدارة إبراهيم رئيسي، تولي طهران الأولوية للتآلف مع اللاعبين الإقليميين المؤثرين بدلاً من المصالحة مع الغرب مستغلة الفرص التي أتاحها لها اتفاقها الدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية في 10 آذار الذي تم بوساطة صينية لتحسين علاقاتها بدرجة ملحوظة مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر.
استهل عبد اللهيان جولته الخليجية بالدوحة في 19 حزيران، وفي اليوم التالي التقى بالأمير الشيخ تميم بن حامد في العاصمة القطرية لمناقشة موضوعي أفغانستان وفلسطين، بالإضافة إلى شؤون ومواضيع دولية أخرى تهم البلدين. وقد أكد كبير الدبلوماسيين الإيرانيين مدى عزم الجمهورية الإسلامية على التوسُّع في علاقتها الثنائية مع قطر في مجالات التجارة والاقتصاد والثقافة.
بعد وقت قصير من لقاء عبد اللهيان برئيس دولة قطر استضافت الدوحة محادثات بين وسيط الاتحاد الأوروبي "إنريكي مورا" وكبير مفاوضي طهران في الملف النووي علي باقري كني بعد أيام معدودة من إعلان المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أن التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع القوى الغربية لا يزال احتمالاً وارداً.
في اليوم التالي وصل أمير عبد اللهيان إلى عمان فالكويت، اللتين كانتا المحطتين الثانية والثالثة في جولته. خلال تواجده في مسقط التقى كبير الدبلوماسيين الإيرانيين بنظيره العماني السيد بدر البوسعيدي، وناقش الرجلان الشؤون الثنائية في لقاء وصفه عبد اللهيان بالبنّاء، بينما علّق عليه وزير خارجية السلطنة بقوله إن هناك اتفاقاً كبيراً في الرؤى بين الدولتين حول مجموعة من الشؤون والقضايا، وأن من شأن ذلك المساهمة في إحلال الاستقرار والأمن والسلام، على حد تعبيره. كذلك أكدت زيارة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد مؤخراً لطهران أن عمان مستمرة بلعب دور مهم في مد الجسور بين إيران والغرب مكمِّلة بذلك مساعي قطر الدبلوماسية.
في الكويت التقى أمير عبد اللهيان برئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، وبعد اللقاء أعلن كبير الدبلوماسيين الإيرانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن معالجة التحديات بمشاركة جماعية من قبل كافة دول المنطقة هي أفضل سبيل لتحقيق التقدم لتلك الأمم وضمان أمن الخليج.
اختتم وزير الخارجية الإيراني جولته بين دول مجلس التعاون الخليجي في الإمارات العربية حيث التقى بالشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان الذي شدد على أهمية إرساء نهج دولي لعمل متعدد الأطراف قائم على أساس التعاون والشراكة. وقد وقعت إيران ودولة الإمارات أيضاً اتفاقية ثنائية لخدمات النقل الجوي.
للإيرانيين وعرب الخليج معاً مصلحة في إجراء مزيد من الحوار ومواصلة نهج خفض التصعيد. يقول الدكتور بدر السيف، وهو أستاذ من جامعة الكويت،: إن طهران متقيدة بالتزاماتها في ما يتعلق بتحسين العلاقات مع دول الجوار الأخرى ، في حين تطوي دول مجلس التعاون الخليجي من جانبها فصلاً من التوترات لتحاول فتح صفحة جديدة.
يقول الدكتور بدر السيف: "البندول مستمر في التأرجح بين التصعيد وخفض التصعيد، وهو الآن يتأرجح نحو خفض التصعيد، لذا يجدر بكبير دبلوماسيي طهران ونظرائه الخليجيين أن يتعلموا من الماضي فيتجنبوا الوقوع من جديد في أساليب سبق أن جُرِّبت وأثبتت أنها لا تفضي إلى نتائج دائمة. المطلوب الآن هو نهج جديد في التفكير من بين ركائزه: التعددية المنسقة والدبلوماسية الاقتصادية والإصلاحات التعليمية ومزيد من التبادل الثقافي وعدم التدخل والاحترام المتبادل للسيادة من الجانبين".
التقارب مع دول مجلس التعاون الخليجي سيساعد إيران على قهر التحديات
من المهم النظر إلى هذه الزيارات ضمن سياق رغبة طهران في تخفيف عزلتها إذ تواصل الدول الغربية فرض عقوبات صارمة على إيران، وإقامة علاقات أمتن مع المملكة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الصغرى مسألة بالغة الأهمية لإنجاح مثل هذه المساعي.
يقول الدكتور "تريتا بارسي"، نائب الرئيس التنفيذي في معهد كوينسي لإدارة الدولة المسؤولة: "ستراتيجية طهران في الالتفاف على الجهود الغربية لعزلها ترتكز إلى حد بعيد على هذه الجهود للاندماج السياسي والاقتصادي مع جيرانها المباشرين".
تقول "باربارا سلافن"، الزميلة في مركز "ستمسون" والمحاضرة في الشؤون الدولية بجامعة "جورج واشنطن": "أمير عبد اللهيان هو رجل الواجهة للجمهورية الإسلامية، أما المفاوضات الحقيقية فيجريها ممثلون عن المرشد الأعلى. بَيْد أن جولته الخليجية تحرك صائب في مجال العلاقات العامة، وإن كانت لا تهدف بالفعل إلى تحقيق اتفاقيات ملموسة بقدر ما تهدف إلى إعطاء الانطباع بأن إيران لم تعد معزولة".
يقول الدكتور عبد الله باعبود، وهو باحث عماني واستاذ زائر بجامعة "واسيدا" في طوكيو،: إن إيران عازمة على استغلال اتفاقية 10 آذار الدبلوماسية مع المملكة السعودية لتعزيز علاقاتها مع باقي دول الخليج على نحو يساعد في تطوير التعاون، لاسيما في المجال الاقتصادي، حيث تحتاج إيران إلى دعم كبير بحكم الوضع الصعب الذي يعاني منه اقتصادها.
تحاول طهران طمأنة دول الخليج الصغرى بشأن سياساتها المستقبلية في المنطقة، كما يضيف الدكتور باعبود الذي يعتقد أن جولة أمير عبد اللهيان الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي إنما هي محاولة من إيران لبناء مزيد من الجسور مع دول الخليج لتأمين الاستقرار في المنطقة وتعزيز التعاون في شتى المجالات، ومن بينها وأهمها المجال الاقتصادي.
انعكاسات صفقة التطبيع السعودية الإيرانية
لقد تغيرت الديناميكيات المشكّلة للعلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في ضوء الاتفاق الدبلوماسي المبرم في 10 آذار بين الرياض وطهران، وكان دور بكين في التوسط لتحقيق هذه الاتفاقية مهماً من وجهة نظر صانعي القرار في الخليج من خلال تفهمهم لكون الصين تلعب دوراً دبلوماسياً أكثر ثباتاً ووضوحاً في المنطقة، إلى جانب ملئها الفراغات التي أوجدها فشل سياسة واشنطن الخارجية في إحلال مزيد من الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث باتت دول مجلس التعاون الخليجي ترى في قوة بكين المتصاعدة عاملاً إيجابياً محتملاً من زاوية إقرار السلام في المنطقة.
يقول الدكتور "جوزيف كيشيشيان" الزميل الأقدم في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في الرياض: "تثمن الرياض وشركاؤها في مجلس التعاون الخليجي دور الصين في تمهيد السبيل أمام هذا التقارب الذي يأخذ مجراه، ولو أنهم يبقون على حذر من الاندفاع وراء الآمال استباقاً. لقد وضعت الشروط على مختلف الخطوات، ومن الواضح أنها قد حصلت على ضمان من بكين مفاده أن جميع الأطراف سوف تتحرك ببطء، والزمن هو الذي سيحدد مدى التقدم المتحقق.
حتى من قبل ابتداء هذه المرحلة الجديدة من التقارب بين السعودية وإيران كانت عمان وقطر والكويت تتعامل مع إيران بأساليب براغماتية كما كانت تراعي الحفاظ على علاقات دافئة مع طهران. رغم ذلك كان هؤلاء الأعضاء "الحمائم" في مجلس التعاون الخليجي متحسسين بكيفيات ودرجات مختلفة إزاء شعور المملكة السعودية بعدم الاطمئنان إلى طهران، وكان هذا العامل يفرض قيوداً على علاقاتهم مع إيران. أما الآن، وإذ بدأ الدفء يدب في العلاقات السعودية الإيرانية، فقد غدا بمقدور دول مجلس التعاون الخليجي الصغرى أن تمضي في البناء مستندة على علاقاتها مع طهران وشعور أخف بالقلق إزاء ما يتعلّق بالرياض.
يقول الدكتور باعبود: "هذا الاتفاق الجديد بين إيران والمملكة السعودية يفتح الباب لدول الخليج الصغرى كي تمضي قدماً لشوط أبعد في تعاونها مع إيران، فهو يجعل الأمر سهلاً لأن هذه الدول لن تتعرض للوم على تعميق علاقاتها مع إيران بأي شكل. لذا يكون من الإيجابي لدول الخليج الصغرى أن تتحرك قدماً الآن ما داموا يرون نظرة الرضا من قبل السعودية بهذا الصدد".  

• عن موقع مجلة "رسبونسبل ستيتكرافت"