محمد صالح صدقيان
لا أحد ينفي المعلومات التي تتحدث عن اتصالات بين طهران وواشنطن عبر وسطاء، أو بشكل غير مباشر لحل الخلافات المطروحة علی طاولة الجانبين. الزيارة التي قام بها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي لطهران الاسبوع الماضي، سلطت الأضواء مرة اخری علی الجهود المبذولة، من أجل تحريك المياه الراكدة بين طهران وواشنطن، وصولا لاحياء الاتفاق النووي وغلق ملف العقوبات الأميركية النحس الذي ما زال سيفا مسلطا علی معيشة المواطنين الايرانيين. هذه الزيارة لم تكن بعيدة عن صفقتين يراد تنفيذها بين طهران وواشنطن، استنادا علی تفاهمات تمت خلال زيارة سلطان عمان هيثم بن طارق لطهران في 28 يونيو حزيران الفائت.
خلال الاسبوع الماضي دخل عامل جديد علی الأزمة، عندما قررت وزارة الدفاع الأميركية ارسال طائرات من نوع اف 16 و35 مع قطعات عسكرية جديدة للمنطقة للوقوف، كما قال البنتاغون امام البحرية الايرانية، التي تريد مقايضة نظيرتها الأميركية التي احتجزت 4 حاملات نفط ايرانية قرب فنزويلا. خطوة البنتاغون وإن كانت مهمة علی الصعيد الأمني الاقليمي، لكنها لم ترعب طهران التي تشرف علی حركة الملاحة في مضيق هرمز الحيوي والمياه الخليجية، خصوصا أن المضيق والمياه أسندت مهمة الاشراف عليها للبحرية التابعة للحرس الثوري، التي تتمتع بجرأة أكثر في تعاطيها مع الاحتكاكات والتدافع العسكري في هذه المنطقة.
إعادة الحديث عن المفاوضات بين واشنطن وطهران مهمة لجهة تاثيراتها الميدانية والسياسية علی جميع الأطراف المحلية والدولية، وتحديدا في ظل تحديات ومستقبل الأزمة الأوكرانية.
المعلومات الدبلوماسية العربية والغربية، تتحدث عن توصل الولايات المتحدة وإيران لاتفاق «غير مكتوب»، لخفض التصعيد و»ادارة» التطورات وأن تبادل الرسائل بينهما بهذا الشأن مستمر، كما قال وزير الخارجية امير عبد اللهيان من اجل انهاء صفقة تبادل المعتقلين، ومعها صفقة الأفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في العراق وكوريا الجنوبية وصندوق النقد الدولي والتي يبلغ مجموعها 24 مليار دولار.
مصدر دبلوماسي أوروبي قريب من الملف الايراني رأی أن عودة الملف الايراني لطاولة البيت الابيض بعد ان قال مسؤولون هناك أنه لم يعد في أولوياتهم، يعني أن ادارة الرئيس بايدن تجاوزت الخطة «ب»، التي وضعتها للتعاطي مع إيران، وهي الخطة التي تستند علی الخيار العسكري واتجهت نحو الخيار الثالث وهي الخطة «ج». وهذه الخطة كما يعبر عنها المصدر الدبلوماسي تستند علی خفض التصعيد حتی تتوفر ظروف اكثر واقعية، وأكثر ملاءمة لكلا البلدين، سواء كانت داخلية أو دولية وإقليمية للانغماس في مباحثات أكثر جدية.
سألت الدبلوماسي الاوربي عن اهمية استبعاد كبير المفاوضيين الأميركيين روبرت مالي عن المفاوضات؛ قال إن ذلك ليس بالضرورة أن يدل علی تعقيد المشهد التفاوضي الأميركي، ولربما كان لصالح المفاوضات، علی الرغم من قرب مالي من وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن والادارة بشكل عام.
المعلومات الايرانية تتحدث عن وصول التفاهمات أو الاتفاق غير المكتوب لـ «توقف مقابل توقف» « freeze vs freeze” بمعنی توقيف اليات المقاطعة الأميركية مقابل ايقاف التصعيد النووي الإيراني؛ وبمعنی آخر إدارة التطورات بين الجانبين، انتظارا لما تؤول آلية هذه التطورات، التي يأمل الجانبان أن تؤدي للعمل بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 أو إلی اتفاق قريب منه يحقق الأهداف للأطراف المعنية.
في مثل هذه الاجواء هناك ثلاثة أطراف معنية بالملف الايراني. الاول الكيان الإسرائيلي؛ الثاني الاتحاد الأوروبي والثالث الدول العربية، وتحديدا الخليجية. هذه الأطراف الثلاثة، ربما تختلف في أهدافها بقبول أو رفض التفاهمات الإيرانية الأميركية.
الكيان الاسرائيلي وتحديدا نتنياهو يعارض هذه التفاهمات، ولا يقبل كما هو معلوم بأقل من تفكيك الاتفاق النووي، ومعه البرنامج النووي الإيراني وأن أية تفاهمات يجب أن تمر عبر البوابة الاسرائيلية، التي تعني “الأمن الإسرائيلي”، وهذا بطبيعة الحال لا يتوفر في عقلية المفاوض الايراني أيا كان طعمه وشكله ولونه!. أما الجانب الأوروبي فهو الآن في أضعف حالاته؛ لا ناصر ولا معين في ظل تداعيات الحرب الاوكرانية، سوی الولايات المتحدة التي تعمل معه ضمن مقاساتها التي لا يحسد عليها.
الاوربيون كانوا وهم اليوم اكثر وضوحا واقعين تحت المظلة الأميركية؛ فما تٌفصلّه واشنطن لا يختلف عليه اثنان في أوروبا أو لا يمكن لهم أن يختلفوا، ولذلك هم يراقبون المفاوضات الأميركية الايرانية كما كانوا وإن بحدة أقل من قبل العام 2015.
الأمر الجديد في هذا الامر هو استحقاق سبتمبر ايلول 2023 تاريخ انقضاء عمل الاتفاق النووي والسماح لإيران استيراد وتصدير السلاح، حسب اتفاق 2015 ولذلك يعمل الاتحاد الأوربي وبالتنسيق مع الجانب الأميركي لتفعيل الية “اسناب باك” الواردة في الاتفاق 2231 الصادر من مجلس الامن الدولي الذي احتضن الاتفاق النووي، لعودة العقوبات الاممية المفروضة علی ايران، والتي كانت سائدة قبل يوليو تموز 2015.
ويسود الاعتقاد أن الاوربيين والأميركيين يسيرون بخطة تقسيم الأدوار للضغط علی الايرانيين، الذين يعلمون جيدا كيف تسير الامور وباي اتجاه؟.
فلا غرابة أن تعقد وزارة الخارجية الإيرانية الاسبوع الماضي اجتماعا لوزراء الخارجية السابقين مع مساعديهم بما فيهم مهندس اتفاق 2015 محمد جواد ظريف لمناقشة السياسة، التي يمكن انتهاجها خلال الاسابيع القادمة لعبور اسحقاق سبتمبر ايلول القادم.
لقد راهنت الدول الغربية علی نتائج الاحتجاجات، التي شهدتها ايران علی خلفية وفاة المرحومة مهسا أميني بعد أن استخدمت كافة خياراتها السياسية والامنية ودعمها اللوجستي من اجل التاثير علی المواقف الايرانية؛ إلا أن الإدارة الأميركية أيقنت في نهاية المطاف أن الخطة “ب” التي وضعتها لمواجهة ايران لم تعٌد مجدية وان النظام السياسي اقوی مما تنقله لها المعارضة التي تعيش في احضانهم؛ في الوقت الذي فشلت الادارة الأميركية من اقناع الداخل الأميركي لاتخاذ قرار شجاع مع ايران لإحياء الاتفاق النووي.
يبقی الجانب العربي والخليجي علی وجه الخصوص؛ فالتطورات التي تشهدها العلاقات الثنائية وإن كانت تسير ببطء وحذر، إلا أنها تستند علی قاعدة رغبة قادة جميع البلدان ضرورة انهاء حالة التدافع الأمني والسياسي في المنطقة، والتقدم باتجاه احترام قواعد الدبلوماسية والسياسية لتعزيز الامن والاستقرار في المنطقة.
إن الاسابيع السبعة القادمة مهمة في المنطقة، خصوصا إذا تمَّ ربطها بتداعيات الأزمة الاوكرانية وتاثيراتها في الواقع الاقليمي والأوربي وآلية تحركها في طيات التطورات المحلية والإقليمية والدولية.