على حافة الانهيار

آراء 2023/07/25
...

 ميادة سفر


كان عالم النفس والفيلسوف إيريك فروم عام 1960 قلقاً بشأن القنبلة الذرية وقدرتها على تدمير الأرض وفناء الجنس البشري، وقد اعتبر في كتابه كينونة الإنسان أنّه «لا يوجد أمام الإنسان العصري في الوقت الحاضر، والبشرية قاطبة على سطح هذا الكوكب، إلاّ خيار واحد وهو الاختيار بين البربرية وبين نهضة جديدة للإنسانية»، كان احتمال استخدام القنبلة الذرية وسباق التسلح بين القطبين الكبيرين في العالم هاجساً أقلق الكثيرين في ذلك الوقت، خوفاً على كوكب الأرض والجنس البشري المهدد بالفناء.

بقي السلاح النووي إلى اليوم يشكل تهديداً للعالم، إلا أنّ أموراً كثيرة استجدت على هذه الأرض أضافت مصادر جديدة للقلق على الوجود الإنساني على كوكب الأرض، إذ يشكل التغير المناخي اليوم مصدر قلق جديد للإنسان، حيث يتسبب سنوياً بما يحدثه من فيضانات وكوارث طبيعية أخرى، بمقتل الآلاف من البشر حول العالم، وما نشهده من ارتفاع مخيف في درجات الحرارة إلا دليل على الوضع الكارثي الذي وصلنا إليه، فضلاً عن الخسائر البشرية والمادية التي تسببها الحروب والتي لا تقل كارثية عن أي عامل من عوامل تهديد الأرض.

كل ما يجري من حولنا، يقودنا إلى الكثير من الأسئلة التي طرحها إيريك فروم منذ عقود، من نحن؟ وما هي غايتنا ودوافعنا في الحياة، وإلى أين نمضي أو نريد أن نمضي؟ هذه وغيرها تحتاج منا إجابات ونحن نرى تشظي الجنس البشري، وبمقدار ما يدرك الناس اليوم لا إنسانية الوضع الذي يعيشونه ومدى خطورته، يمكن الحديث والبدء بحركة إنسانية حديثة تضع نصب أهدافها الإنسان بكل جوهره وكينونته، لأن الكائن البشري اليوم يعيش مرحلة من أكثر المراحل خطورة في تاريخ الجنس البشري، إذ وجد نفسه متغرباً عن كل ما حوله، فقد السيطرة على حياته ونفسه، وتحول إلى كائن محكوم ومتحكم به من قبل الأشياء والظروف المحيطة به والتي ساهم هو نفسه في خلقها والترويج لها، فما الحروب والكوارث والتغير المناخي والأزمات الاقتصادية والتشرد والقتل والأسلحة المتطورة البالغة الدقة، إلا نتاج الإنسان وقاتله في الوقت نفسه.

إنّ الاخطار التي تهدد العالم أجمع بسبب تلك الممارسات التي أشرنا إليها، فضلاً عن زيادة الهوة والفوارق بين الأغنياء والفقراء، إذ يعيش أكثر من مليار شخص حول العالم تحت خط الفقر، إلى جانب أزمة المياه وشح الموارد والتلوث، كلها عوامل ومعلومات معروفة ومدركة من قبل الجميع حكومات وأفراد، وبالرغم من هذه المعرفة، لا توجد خطة أو مشروع أو إجراء من شأنه تغيير الواقع وتغيير مسار التردي الذي وصلنا إليها، ويبدو أنّ الاستمرار في تلك الممارسات وانعدام أية أعمال فعلية سيقود حتماً إلى الانهيار وتدمير الإنسان على هذه الأرض.

يقول المؤرخ أرنولد توينبي: «إنّ الحضارات العظيمة لا تُقتل، بل أصحاب الحضارات هم من ينهون حضاراتهم»، لذلك يمكن للمجتمعات أن تمنع انهيارها أو تؤخره على الأقل، من خلال اتخاذ بعض الإجراءات الكفيلة بدرء خطر الانهيار، عبر التقليل من الانبعاثات الحرارية، وردم الهوة بين الأغنياء والفقراء، وإيلاء البيئة اهتماماً أكبر ومعالجة التدهور الذي طالها، وغيرها من أساليب من شأنها تجنيب الإنسان وكوكب الأرض الدمار المتحتم.