علي إبراهـيم الدليمي
يعد عامر العبيدي، من الفنانين العراقيين البارزين في المشهد التشكيلي داخل البلاد وخارجها، منذ بداية ستينات القرن الماضي، حيث كان مسؤولاً متخصصاً في دائرة الفنون التشكيليَّة في وزارة الثقافة والإعلام، على مدى سنوات طويلة يشرف خلالها على تفاصيل ودقائق مسيرة الحركة التشكيليّة في العراق.
والعبيدي، من فناني جيل ما بعد الروّاد في الحركة التشكيليَّة العراقيَّة التي انطلقت منذ العقد الستيني، ومعروف بتجربته الفنيَّة والموضوعيَّة، على مدى مسيرته الطويلة، مع الخيول الشاخصة.
ونستشف: بعد أن أرهقه جموح خيوله المجرَّدة وصهيلها المدوِّي، الذي يواجه قحر الصحراء الشاسعة، وهو (الإنسان/ البصير) الوحيد بينها، فلم يكن أمامه مشهد يتلذذ به غير هذه الخيول، ومساحة الفضاء الرحبة، منذ سنوات طويلة جداً.. عاد فناننا عامر العبيدي، إلى المدينة ليجلس وحيداً على الأرائك الخشبيَّة المهجورة الخالية، إلّا من بضعة صعاليك متفرقين صامتين، كأنّهم في انتظار مجهول وأمل مقطوع، يأتي أو لا يأتي.. كان ذلك في معرضه الشخصي عام 1992.
بعد الاعتداء العسكري العالمي والحصار الظالم على العراق، عاد العبيدي مرة أخرى.. إلى صهيل وقرقعة أقدام خيوله منتصبة الهامة، المتسابقة مع حمامات السلام، نحو حياة حرة وأمل مفتوح أكيد معقود بنصر جديد.. لكن هذه العودة يزيّن فيها خيوله بمفردات وخصائص ودلالات فلكلوريّة وألوان شعبيّة عراقيّة، معرضاً المساحات الخلفيّة الواسعة بتكوينات لونيَّة متقاطعة، مملوءة برموز إسلاميَّة وتاريخيَّة منسجمة ومتواصلة مع بعضها البعض.
لقد اقترنت تجربة فناننا العبيدي، بالخيول والصحراء والفضاء، منذ بداية مسيرته الفنيَّة، مستمدّاً من ذلك موضوعات تاريخيَّة وتراثيَّة للبطولة عند الإنسان العربي خصوصاً، باندفاع وشموخ، فقد سلّط الضوء على رموز عميقة التأثير في صياغة الحلم العربي، فالصحراء كبيئة عربيَّة عريقة، يشتدُّ فيها ساعد العربي وشجاعته وبطولاته وصولاته، أما الحصان فإنّه عنصر أداء مكمل لرجولة الفارس العربي منذ القدم.. فضلاً عن رمزية "الديك" في لوحاته، حيث يقول: الحصان لديَّ ليس حيوانا فحسب، إنّه رمز للثورة والحركة والتمرّد، أما المهرة فهي المرأة، ودائما ما أرسمها جميلة ورشيقة وكحيلة، وأما الديك، فهو من وجهة نظري: الزمن والرشاقة والفتوة والشهامة والغيرة والفجر الجديد، وهو مرافق للإنسان منذ فجر التاريخ.. ولا توجد حضارة إنسانيّة إلّا وكان الحصان والديك في مقدمة أعمالها الابداعيَّة، إنَّهما رمز للحياة المتدفقة بالعطاء.
وقد وضع العبيدي، في تجربته تلك، أسلوبه الخاص الذي يعتمد فيه على تحديث اللوحة العراقيَّة المعاصرة، ضمن مفردات وتكوينات إسلاميَّة وتاريخيَّة وفلكلوريَّة، يزاوج بين التشخيص الحيواني/ الخيول الجامحة وحمامات السلام المحلقة بموازاة رؤوس الخيول، والديكة، وبين الزخارف اللونيَّة الدافئة تارة، والحارة تارة أخرى، حسب رمزيتها الموضوعيَّة المطروحة ضمن مساحات ملوّنة مخصصة، تكاد تكون رئيسة، متوازنة مع المفردات والدلالات الشاخصة، مما أعطى علاقة ناضجة ما بينها، التي لا يمكن عزلها عن مضمون أفكاره وطروحاته.
فتجربته هذه يواصل بها العبيدي اختباراته وصياغة مشاهدها الرؤيويَّة ليعكس من خلالها انعطافة كبيرة ومتبلورة في استلهام الرموز التاريخيَّة والتراثيَّة الأصيلة، وفق مفهوم فني معاصر.. لا سيما خيوله الفارعة.
ولد الفنان عامر العبيدي في النجف عام 1943، وتخرج في معهد الفنون الجميلة – بغداد، وخريج اكاديمية الفنون الجميلة – بغداد عام 1969، حصل العام 1965 على المركز الأول في المهرجان الدولي للفنون في إيبيزا الإسبانية وعمره كان اثنين وعشرين عاماً.
وحاز بعدها على عدة جوائز فنيَّة دوليَّة، عمل مصمماً في دار ثقافة الأطفال في بدايتها، ونشر بعضاً من رسوماته التوضيحيَّة للصحف والمجلات المحليَّة مع النصوص الشعريَّة وأغلفة الكتب والمجلات ودواوين شعريَّة، أحد أعضاء "جماعة المجددين" مع كلِّ من الفنانين: سلمان عباس، وسالم الدباغ، وصالح الجميعي، وفايق حسين ونداء كاظم وطالب مكي.
عمل بعد تخرّجه مدرِّسا للفن في المملكة العربية السعودية. شغل منصب مدير المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد من العام 1973 حتى العام 1983. ثم شغل منصب معاون مدير عام دائرة الفنون التشكيلة في وزارة الثقافة العراقية العام 1993. وله جداريات كبيرة في مطارات السعودية وبغداد وبعض المؤسسات، وفي ساحة الاحتفالات في بغداد. كما صمم الكثير من الكتب والمجلات والملصقات لوزارة الثقافة العراقيّة. أقام أول معارضه الشخصية العام 1966. أقام عدة معارض شخصية في العراق وخارجه وكان آخر معرض له بمشاركة الفنان اياد الموسوي في الامارات العربية عام 2018.
شارك في اغلب المعارض الجماعيَّة داخل العراق وخارجه، وفي معظم المعارض والمهرجانات والبينالات الفنية في الكثير من دول العالم، منها (البرازيل والهند وفرنسا وموسكو ولندن والمانيا وتركيا ومصر ولبنان والكويت والبحرين والاردن وبولندا). مقيم ويعمل الان في امريكا. غادر العراق في العام 2008، إلى الولايات المتحدة من خلال مفوضية الأمم المتحدة لشؤون
اللاجئين.