فكٌ الاشتباك بين خطاب الكراهية وحريَّة التعبير

آراء 2023/07/26
...

 د. اسامة شهاب حمد الجعفري

خطاب الكراهية من أكثر المواضيع القانونية جدلاً لارتباطه بحرية التعبير عن الرأي كحق اساسي من حقوق الانسان، التي ناضلت البشرية في سبيل اقراراه في القوانين وكفالة حمايته, وقد يحصل الاشتباك بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، ويصعب التمييز بينهما نتيجة لغياب التعريفات القانونية، التي تحدد معنى “الكراهية”, ولاشتراكهما بالمادة الاساسية التي تكونهما وهي “الكلمة”، فعبر الكلمة تنتشر الكراهية وعبر الكلمة يكون التعبير عن الرأي فيدق الحد الفاصل بينهما, فيتحول “الحق” إلى “جريمة”، عندما يتعدى الحق في التعبير عن الرأي الخط الفاصل الدقيق ويدخل في نطاق التجريم ليكون تعبيراً عن الكراهية.
وحق التعبير عن الرأي حق غير مطلق ومقيد، بألا تكون دعوة للكراهية في المواثيق الدولية والقوانين الوطنية, فقد أجاز العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1966 للدول أن تتدخل لتقييد حرية التعبير عن الرأي في ما اذا كان يثير مشاعر الكراهية وفق المادة (20) منه, وحظر الدستور العراقي عام 2005 كل نهج عنصري أو تكفيري أو طائفي أو التحريض على ذلك وقيد حق التعبير عن الرأي، بما لا يخالف النظام العام والآداب وفق للمادتين (7 و 38) منه.
وعاقب قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل إثارة شعور الكراهية بين سكان العراق وفق المادة (200) منه, وعاقبت المادة (372) من القانون نفسه على المساس بالشعور الديني والحريات الدينية, وعدت المادة (2) من قانون الارهاب رقم 13 لسنة 2005 اثارة الفتنة الطائفية من الجرائم الارهابية.
ومن هنا يعد خطاب الكراهية القيد القانوني الابرز على حق التعبير عن الرأي لقابليته ان يتحول من “حق” مكفول بالقانون إلى “جريمة” يعاقب عليه القانون اذا لم يراع هذا القيد.
وعلى الرغم من وضوح النصوص القانونية في تجريم “الكراهية”، إلا أنه لا يوجد تطبيق لهذه النصوص القانونية لصعوبة وضع حد فاصل بين حرية التعبير عن الرأي والتعبير عن الكراهية، وهنا تكمن الاشكالية القانونية ولأجل فك هذا الاشتباك ووضع حدود فاصلة واضحة تقف عندها هذا الحق، لا بد من بيان المفهوم القانوني لخطاب الكراهية والوسيلة التي بها وضع هذه الحدود. خطاب الكراهية هو الكلام الذي يحض على كره الاخر وتحقيره وازدرائه، بسبب تمتعه بصفات انسانية كالعرق أو المذهب أو الدين أو اللون أو الجنس أو رأي سياسي أو عوقه الجسدي، فيتحول الرأي من نطاقه الموضوعي إلى تلك الصفات الشخصية في الآخر والتعبير عن احتقارها وازدرائها.
فهو كلام يحمل معاني للتعبير عن الكراهية بسبب هذه الصفات. ويمكن وضع خطة عمل تركز على العلاقة بين خطاب الكراهية وحرية التعبير لتحديد صورة التعبير المحظور جنائياً، من خلال فحص محتوى التعبير فهو مرتكز اساسي للمداولات القضائية ومدى احتوائه على تعابير تثير مشاعر الكراهية والازدراء بين ابناء المجتمع، ويتم ربط هذا المحتوى بمدى علانيته وبصاحبه وبالفئة الموجهة ضدها الخطاب، فيجب ان تنتمي الضحية إلى فئة اجتماعية معينة بالعرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو المذهب أو الرأي السياسي...الخ, وما يميز جريمة اثارة الكراهية هو الدافع لارتكابها، حيث ان كراهية الفاعل لفئة اجتماعية تنتمي اليها الضحية هي المحرك لارتكاب الجريمة.
وتهدف التشريعات من خلال معاقبتها لهذه الجريمة إلى حماية السلم الاجتماعي، حيث إن الضرر الناشئ عنها لا يقتصر على الضحية فقط، وإنما يطول المجتمع بأسره، ويهز النظام العام ويتصدع السلم الأهلي بانتشار الكراهية والبغضاء بين السكان.