بغداد: الصباح
تذكر الكثير من المصادر التاريخية أن فن الإنشاد الديني والابتهال بدأ مع هجرة النبي (ص)، إلى المدينة وذلك بالإنشاد الجماعي «طلع البدر علينا».. وإن هذا الفن ارتبط بالغزوات بعد ذلك على غرار غزوة الخندق حينما ردد المسلمون " الله لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فانزل سكينة علينا".
يشير الشيخ شوقي عبد اللطيف إلى أن الابتهالات الدينية عبادة من عبادات الله سبحانه وتعالى. ويقول إن الابتهال الديني تضرع إلى الله سبحانه، ودعاء مشفوع بشدة في قبوله والرهبة في عدم قبوله، وهذا الابتهال يجب أن تلتزم فيه آداب الدعاء التي جاء بعضها في قوله تعالى "ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، والابتهال يغلب عليه أن يكون بصوت فيه تحزن قد يصل إلى البكاء على نحو ما يكون في القرآن الكريم من التجويد الذي يؤثر في القلوب.
من أوائل الشعراء الذين نظموا الشعر الديني والإسلامي، سواء كان وصفا أو مدحا أو حكمة أو نصيحة، شاعر الرسول حسان بن ثابت والشاعر ابن رواحة.
الابتهال هو الارتجال، فالمنشد يدخل الشعر بشكل منفرد أو يقول مما يحفظ، وعادة ما تكون أشعاراً دينية، ومن ابرز المنشدين الذي عرفتهم اذن المستمع على مستوى العالم العربي الشيخ سيد النقشبندي والشيخ نصر الدين طوبار، والشيخ محمد الهلباوي والشيخ عبد التواب البساتيني.
ومن الاصوات المهمة والمؤثرة التي عرفت بالانشاد الديني والابتهالات الفنانة ياسمين الخيام، أم كلثوم، شادية والكحلاوي. ومن المنشدين الحديثين المنشد سامي يوسف.
يتوحد كلٌّ من الابتهال والتوشيح والإنشاد الديني في غايتهم، من حيث تضرع ومناجاة الرب، لكنهم يختلفون في قاعدتهم الفنية؛ فالتوشيح الديني، الذي يعد نوعا من الشعر المستحدث الذي ظهر في بغداد ثم انتقل إلى الأندلس، أما المبتهل فيقف يتضرع معتمدًا على حنجرته فقط بدون موسيقى، بينما الإنشاد الديني يعتمد على الآلات الموسيقية ويكون بقصيدة شعرية
كاملة.
يتسم الإنشاد الديني، بتنوع أشكاله وثرائه ومنه: التواشيح، والابتهالات، والمدائح النبوية، والتعطيرة، والذكر، والقصائد الدينية.
تكاد تجمع الدراسات الموسيقية المتخصصة على أن فن الإنشاد والابتهالات الدينية، ساعدت على ازدهار الموسيقى العربية والمحافظة على أصولها، لاشتمال الابتهالات على معظم مكونات ثراء الموسيقى العربية، من انتقالات مقامية وثراء لحني ونغم وحسن تعبير وتخيل وارتجال للألحان العربية الأصيلة، إلى الحد الذى يرى البعض أن الابتهالات كانت هى الأساس فى زرع الملامح الأولى لشخصية أغلب مطربي القرن العشرين. ومن خلال الابتهالات والإنشاد الديني، ظهرت قمم الغناء والتلحين فى مصر ومنهم: عبده الحامولي، ويوسف المنيلاوي، ومحمد عبد الرحيم المسلوب، وسلامة حجازي، وعلى محمود، وسيد درويش، وزكريا أحمد، وأم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب وغيرهم كثير، كما أفرزت الكثير من المنشدين والمبتهلين، وإن تربعت أسماء كبار الشيوخ أمثال: نصر الدين طوبار، وسيد النقشبندي، وكامل يوسف البهتيمي، ومحمد الطوخي، ومحمد عمران، ومحمد الهلباوي، والشيخ علي محمود أحد مؤسسي فن الإنشاد الديني، والذي تتلمذ على يديه العديد من القراء والمنشدين، ومن أبرزهم الشيوخ محمد رفعت، وطه الفشني، ومحمد الفيومي، وغيرهم. حفظ القرآن الكريم وتلاوته وتجويده هي الأساس بالنسبة لأي منشد ومبتهل؛ إذ تتكامل مدرسة الإنشاد الديني والتكوين الغنائي العربي من عدة جوانب؛ فالإنشاد والابتهالات الدينية فن يتضمن جميع أصول الغناء العربي الأصيل، وفي هذا الإطار يقول فيكتور سحاب: " بين تجويد القرآن والنبوغ في فن الموسيقى والغناء العربى أسباب لا تتقطع، إذ من فوائد التجويد إنه يمرن على الارتجال وامتلاك ناصية السكك المقامية والبراعة فى التنقل بينهما، وتحسين النطق العربي ومخارج الحروف والتدرب على إيقاع الكلمة العربية وموسيقاها واجتناب اللحن".