ديمقراطيات متحوّلة

قضايا عربية ودولية 2023/07/26
...

علي حسن الفواز

تُثير سياسات الغرب أسئلة ومفارقات حول علاقة تلك السياسات بما يجري في الواقع، على مستوى إدارة ملفات الأمن والاقتصاد والطاقة، وعلى مستوى التعاطي مع مشكلات التضخم والبطالة، وصعود اليمين المتطرف والعنصرية، وهذا ما صار باعثاً على مواقف يمكن أن تكون سبباً في اتخاذ إجراءات تعسفية، والذهاب إلى متغيرات من الصعب السيطرة عليها، والتي يمكن أن تضع الغرب أمام تحديات وأزمات مفتوحة، قد يكون أقساها تهديد السلم الأهلي الداخلي في أوروبا، أو الدخول في مرحلة كساد اقتصادي أكثر عنفاً من كساد الثلاثينيات من القرن الماضي، فضلاً عن احتمالات حدوث "حرب من طراز خاص" جرّاء اتساع مديات الصراع في أوكرانيا، وضعف السيطرة على تداعياته، مقابل فشل العقوبات الأميركية- الغربية في التأثير في مجرياته، وعلى تغيير أهداف روسيا العسكرية والأمنية، رغم كل الدعم الكبير المالي والعسكري لحكومة زيلينسكي، وفرض المزيد من حُزم العقوبات على روسيا.
سياسة اليمين المتطرف لا تكتفي باحتمال وضع أوروبا عند عتبة هذه الوقائع، بل قد تكون سبباً في حدوث تصدعات داخلية، وربما ستكون مدعاةً لصعود "يسارٍ آخر" أشد راديكالية، وأكثر ميلاً للعنف السياسي والآيديولوجي، وحتى الطبقي، وهو مايعني تعريض الديمقراطيات الراسخة إلى صدمات سياسية، قد تجعل منها ديمقراطيات هشة، تتحكّم بها الجماعات المتطرفة، أو الأثرياء، أو الشركات العابرة للقارات، أو مؤسسات تكنولوجيا الإعلام، فضلاً عن نشوء "مشكلات" خدماتية ونقابية تدفع النقابات والمؤسسات المدنية إلى القيام باحتجاجات وصدامات كما حدث في فرنسا، والمُرشّح حدوثها في دول أوروبية أخرى تواجه تحديات اقتصادية وهوياتية محتملة.
الاخفاق في مواجهة تلك التحديات يعكس تصدعات بنيوية عميقة في العقل المؤسساتي الغربي، وفي طبيعة النظام الرأسمالي، وضعف أداء أسواقه وإداراته، ففشل اليسار والأحزاب الاشتراكية والمحافظة حمل معه أزمة تاريخية، تمثّل بعدم قدرة تلك الأحزاب على مواجهة أزمات الواقع والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، مثل سياسات الضرائب وقضايا الهجرة واللجوء، والبطالة وسياسات الاتحاد الأوروبي وغيرها، فضلاً عن تضخم الانفاقات العسكرية وسياسات الولايات المتحدة، وهو ما تحوّل إلى عوامل ضغط كبيرة، دفعت إلى نشوء أزمات عميقة يسّرت فوز الأحزاب اليمينية وحلفائها في الانتخابات المحلية، والتي رافقها صعود مدٍّ شعبوي، تبدت مظاهره من خلالها التوترات الاجتماعية في أغلب دول الغرب الأوروبي.