د.عبد الخالق حسن
منذ تأسيسه الحديث سنة 1921، كان دور العراق حاضراً في المحافل الإقليمية والدولية. فهو على المستوى العربي، كان أول دولة تنال استقلالها، وذلك بعد أن اتفقت الحكومة البريطانية مع الحكومة العراقية على إنفاذ استقلال العراق سنة 1932، حين دخل العراق عصبة الأمم، بوصفه دولةً مستقلة. استمر الدور والتأثير العراقيين بعد هذا التحول السياسي، حتى أنه كان مقر انعقاد وتأسيس حلف المعاهدة المركزية، أو ما بات يعرف بحلف بغداد سنة 1955. وحتى مع سقوط النظام الملكي، ظل دور العراق مركزياً في صياغة العديد من القرارات، ليشهد عام 1960 ولادة منظمة البلدان المصدرة للنفط (اوبك)، في بغداد، والتي كانت أول وأهم تشكيل دولي يرعى وينظم مصالح البلدان النفطية. ومع بداية تسلط حزب البعث، بدأ دور العراق يتراجع شيئاً فشيئاً، حتى مع القوة الظاهرية، التي كان يتخيلها المسؤولون عن الحكم. إذ كانت السمة الغالبة للنظام الدكتاتوري هي الخصومات مع الدول المحيطة وحتى الدول الكبرى، إلى أن افتقد العراق لسيادته مع دخول الكويت، حين خضع للقرارات الدولية التي استباحت كل عناوين سيادته، لدرجة أن نظامه الاقتصادي والغذائي كان يسير وفقاً لمقررات أممية. ومع سقوط النظام، ظل العراق غائباً عن مساحة التأثير، بسبب تراكمات السنوات المرَّة التي ورطنا بها النظام الدكتاتوري. لكن، ومنذ خمس سنوات، استعاد العراق دوراً كان غائباً عنه لسنوات طويلة. إذ لم يعد العراق دولة منفعلة ومتأثرة، بل إنه صار يدير أزمات المنطقة ويعمل على تفكيكها بوساطات ناجحة، ولعل من بين أهم وساطاته هي تلك التي أفضت إلى صلح تاريخي بين إيران والسعودية، بعد سنوات طويلة من الخصومة والاستقطاب المأزوم، وهو إنجاز مهم يحسب للدبلوماسية العراقية. وبعدها، كان تأثير العراق مهماً في استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية، وهو الذي سبقه دوره في عدم الانتظام مع فكرة إسقاط الحكم السوري، ليثبت العراق بهذا صحة نظرته المستقبلية، حين اعترفت الدول، التي كانت تدعم نظرية إسقاط نظام الحكم، بخطأ سياساتها. واليوم أيضاً، كسر العراق، من خلال زيارة رئيس الوزراء السيد السوداني، حصار الزعامات والرؤساء، حين أصبح أول رئيس عربي تحط طائرته في دمشق منذ 2011. وهو ما دعا الرئيس السوري السيد بشار الأسد إلى أن يشيد بالدور المحوري للعراق الذي صار يتصاعد في المنطقة.
لهذا، فإننا يمكن أن نتوقع أدواراً مستقبلية فاعلة للعراق، وهو ما يؤشر نجاحات دبلوماسية ستنعكس ثمارها على العراق والمنطقة.