نازك بدير*
يكاد لا يخفى على أحد أسباب ثورة الإمام الحسين(ع) ومن أهمّها الظلم والاضطهاد وتحريف الدين واختلاس الأموال. ومعظم الناس في ذلك العصر كانوا يفضّلون حياة الذلّ خوفًا من المواجهة والإخفاق. ظروف المجتمع اليوم شبيهة إلى حدّ بعيد بتلك الحقبة، مجتمع مشلول يرضى بالهوان ويقدّس الزعيم ويبيع كرامته لأجل الفتات.
مع ذكرى محرّم من كلّ عام ينبري خطباء عدد من المنابر لإحياء واقعة الطفّ، وهم من صميم مجتمعات تعاني التخلّف والفساد وهضم الحقوق وطمس العدالة ودعم الباطل ومجاراة الظالم. وبدلًا من اتّخاذ سيرة الإمام الحسين ومبادئه أنموذجا يستضيئون به لمخاطبة العقول وإيقاظها من سباتها وتنويرها لتغيير الواقع وإصلاحه، نرى أنّ الغالبيّة منهم تتعمّد إثارة عاطفة الجمهور والتلاعب بالغرائز. ويذهب آخرون إلى أسْطرة أحداث ونسبتها تارة إلى الحسين(ع) وتارة إلى أصحابه وأهل بيته ومن كان معه في كربلاء. وكأنّ مواقف الإمام وأفعاله وثورته التي هزت عرش الظالمين غير كفيلة بالتأثير على الجمهور، فإذا بهم يلجأون إلى دسّ الأساطير والخرافات والتلاعب بعقول البسطاء والسذج.
ثمّة من يمضي أشهر السنة ترقّبًا حلول محرّم لإحياء مراسم عاشوراء، يتّشح بالسواد ويشارك في المسيرات العاشورائيّة ويتصدّر المجالس ويبكي الحسين(ع) وآله وأصحابه. لكنّه هو نفسه من رجال السلطة وأعوانها والذّاب عنها. مثله كمن قال للحسين (ع):» قلوبنا معك وسيوفنا عليك». يعلمون واقع الأزمة التي يعيشها الشعب ويعرفون حجم الظلم الواقع عليه، لكنهم ارتضَوا الصمت والذلّ والخنوع وحماية السلطة لقاء ما يتحصّلون عليه. يرفعون شعار» هيهات منّا الذلّة»، وهم غارقون فيها. لعلّ أقصى ما يستطيعون القيام به هو الموائد عن روح أهل البيت، أمّا دروس كربلاء في عزّة النفس والكرامة فهم أكثر جبنًا من أن يرفعوا هاماتهم باتّجاهها. جُبلوا على المهانة واعتادوا على أكل الباطل، فكانت حياتهم حياة العبيد، عبيد المال والسلطة والجاه والثروة.
الثورة الحسينيّة لا تعني البكاء واللطم والندب؛ قدّم الإمام في حياته واستشهاده الدروس والعبر التي تعلّم الإنسان المواجهة وقول كلمة الحقّ في وجه الفاسد والطاغية، والترفّع عن المصالح الفرديّة الدنيويّة والعمل من أجل المبادئ الأخلاقيّة السامية. الثورة الحقيقيّة تتطلّب المواجهة مع النفس، والترفّع عن المصلحة الشخصيّة، والعمل من أجل المصلحة العامّة، والتضحية في سبيل المجتمع لتحريره من الطغاة.
كاتبة لبنانيّة