الاتفاق العراقي - الإيراني.. استقلاليَّة القرار السياسي

آراء 2023/07/27
...

 محمد حسن الساعدي

 يبدو من غير الواضح إذا كان الاميركان سيعتبرون الصفقة، التي أبرمها العراق مع الجمهورية الإسلامية انتهاكاً وخروجاً عن العقوبات المفروضة على طهران، وبالتالي السعي من واشنطن لمحاولة منع هذا الاتفاق، كما أن العراق اتخذ موقفاً رسمياً في هذا الاتفاق، دون الرجوع إلى واشنطن، ما يعد استقلالية في القرار وخروجاً عن الإرادة الأمريكية التي تحاول إركاع الشعوب وإخضاعها.

الاتفاق ينص على إرسال العراق 250 ألف برميل يومياً إلى إيران مقابل تزويد الأخير العراق بالغاز الطبيعي الإيراني، والذي يعتمد عليه العراق بحوالي 40 % من إنتاج الكهرباء، وجاء هذا الاتفاق بعد الديون المترتبة على العراق لإيران والتي بلغت 11 مليار دولار مودعة في البنك التجارة العراقي، والتي منعت فيها واشنطن إرسالها إلى طهران لقاء تزويد العراق للغاز الطبيعي.

العراق من جهته يؤكد أن لا حاجة للحصول على موافقة الولايات المتحدة لأن الاتفاق ليس مالياً، لذلك لجأ العراق إلى أسلوب المقايضة والتي هي شكل من أشكال الدفع، لا تخضع للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، حيث يستخدم الأمريكان سيطرتهم الفعلية على الأموال العراقية، ومنع بغداد من تسديد ديونها لإيران بالدولار، وبهذا الإجراء يمكن لطهران أن تزود العراق بالغاز الطبيعي لقاء النفط الخام العراقي.

إدارة بايدن تسعى إلى الحصول على مزيد من التفاصيل حول هذا الاتفاق، وكيفية إجراء المقايضة للنفط مقابل الغاز من الناحية العملية، وما إذا كان هذا الاتفاق يؤثر في العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، في حين تأخر تسديد الديون العراقية لإيران سبب نقصاً في الكهرباء المنتجة من المحطات الكهربائية لإيقاف تزويدها بالغاز الطبيعي، ويأتي هذا بسبب رفض واشنطن تسديد العراق ديونه بالدولار.

الاتفاق يرمي إلى طمأنة الرأي العام الإيراني بشأن حصول طهران على مستحقاتها عن صادرات الغاز، بانتظار الوصول إلى حل عملي تتمكن عبره إيران من إعادة أموالها أو سداد المستحقات المرتبة عليها، جراء استيراد الدواء والسلع الأساسية،وأن سبب قبول طهران بمقايضة غازها بالنفط العراقي هو حرصها على مساعدة الحكومة العراقية على توفير خدمة الكهرباء للشعب العراقي في هذا الصيف الحار الجاف، حيث إن الاتفاق يمثل الحل الأمثل في ظل عدم موافقة واشنطن على تحويل المبالغ لإيران. 

أعتقد وكما يرى الكثير من المراقبين للمشهد السياسي العام في المنطقة، أن من الأجدر على الحكومتين أن ترسخ هذا الاتفاق من خلال مد أنبوب نفطي يربط الدولتين الجارتين، وبأمد طويل، لمنع أي تلكؤ في أستيراد الغاز الطبيعي الايراني، وقطع الطريق أمام أي محاولة للتأثير على العلاقات الاقتصادية، التي تربط الجارين والسعي الجاد من اجل أستقلال القرار العراقي، بعيداً عن الضغوط الاميركية التي تحاول جعل العراق تابعاً لها.