قصائد عن المستنقع والوردة

ثقافة 2023/07/31
...

 ياسين طه حافظ  


1 -  خفقةُ ضوء


انتَ إذاً أفسدت الصفقةَ، 

الكرْمةُ ظلّت يابسةً

وحريرُكَ قشُّ الأبقار.

من أنت هنا، ماذا تفعلْ؟

كل الكلمات تخونكَ، ما تحملهُ إرثُ سواكْ 

تأكلُ موتى تتنفّسُ ريحاً بلهاءْ

تتهافت لا تدري ما تفعل.

والرجفان الخوفُ القلقُ الدوران

تزويقٌ آخر. 

هل تعترف الآن

لا تلمسك الحكمةُ إلّا احترقت

لا يدنو بجعٌ إلّا ماتْ.

وشراهة موتٍ تبقيك كما أنتَ تريد حياة.

ما زلتَ ومنذ اختمر الطينْ

ملتذّاً بفنائك لمسة موتٍ لمسة موتٍ لمسَ...، 

اعترف الآن:

عدمٌ وإلهٌ

ليس سوى عدمٍ وإلهْ

وأنا بينهما خفقةُ ضوءٍ يفنى.

................

لا وقتَ لا سأل عن معنى.


2 -  التحديق في السقف 


صوتٌ يُفزعُ جمجمتي: أين أنا؟

الأرض هنالك تائةٌ وتدورْ

بين كواكبَ تائةٍ وتدورْ – 

كم صغرتْ حولي الأشياء.


مضحكةٌ او محزنةٌ تلك الأوجه خائبةً

تتضاجعُ او تتناحرُ او تقعدُ منتظرة

فقدان حقائبهم اطفأ ضوءاً. فجرٌ

ميْتٌ بنهم: 

صمغٌ او خزيٌ فوق الأوجهِ

أفواهٌ تعلسُ ريحْ.

يا «دانتي» هل أخرج منها؟

طرْقٌ فوق زجاجة نافذتي:

«حتى الان تحدّق باللا شيءْ؟

كم صفقةُ موتٍ لطمت وجهكَ 

كم تمسحُ عن شفتيكْ

زَبَداً؟

كم قايضتَ أكاذيب العالم بالصمت المر؟

ابقَ كما أنتَ هنا

عيناكَ الى السقف الميت حتى الفجرْ!»


3 -  والظلال تمسح الأرصفة


من آخرِ ليل العالم أنطقُها.

صوتُ الأحياء وصوت الموتى اقتسما الصيحةَ.

أترقّبُ تهدأ معمعةٌ لأُقلّبَ حدْساً ماتْ.

أنا بين مفارقَ أجهلها

الأسطر تُفرغُ زيتَ أرومتها 

وثمارٌ نضجت قبل الموسم

تسقط واحدةً بعد الأخرى، تُكملُ طاعتَها.

عشبٌ أطلعَ قامتهُ - أيُّ نشازٍ يُربكني، 

أرضي تُنبِتُ طحلبَها.

هم تركوني لهزيمتهم. دوِّرْ هذا

وأنقلْهُ الى أسبوعٍ، شهرٍ قرنٍ آخر.

صبراً صبراً، المأساة سائرةٌ لتكونَ بلا معنى.

ثمنٌ بخسٌ ندفعهُ ولكلِّ تعاستنا

انا بينكُمُ أنزفها. أنزف آخرَ ما أملكهُ:

الخبزُ وليسَ سِواه

ألوى قدمي.

لا الدولةُ، لا شيءٌ، لا أحدٌ

يقدرُ أن يرفعَ رأسي من هذا القاعِ،

وأنتَ المجهول بلا باجٍ تدخلُ متجهاً 

للباب الأخرى،

جئتَ- خرجتَ.

ويهتفُ بعدكَ بالنصر المهزومون.


حسناً أنتَ رأيتَ، بنفسكَ، لا شيءَ

سوى ريحٍ ووعودْ. 

دعْ قسطَك من ضوء الشمس

وانزلْ

لن تُنهككَ الحمى بعدْ 

ملتمَّاً بالرحم الأولى، لن تفترقا

وظلالُ الناسْ 

تبقى تمسحُ أرصفةً سوداء.


 المستنقع والوردة

عهْرُ الكلمات قديمْ

وأنا “فَضْلةُ” أسلافي

احملُ وسْط جحيم الله بلاهتَهم

واظلُّ صباحي

انتظر المَنَّ كشحّاذٍ. البُلْهُ المخدوعون

يأتمرون على صمتي 

وعلى غيبةِ أحداقي.


“يا للأحمق!” قلتُ لنفسي، قارعة الشمسِ 

تضعضعُ رأسَكَ، هل تصحو؟

أترى وجه الأرضْ

مقلوباً للأسفل؟

أولاءِ الأرضيونَ، 

وأنت الطارئُ!

فلتفهم حكماً صعباً.

صوتكَ لا يعني شيئاً للعشبةِ،

أو للصخرةِ او لحريق الليلْ.

عهدٌ خالٍ يكتمل الحبُ بهِ او يكتمل القتلْ.


دعْ قطّاع الطرقِ الفصحاءَ

وخذ هذي الأسطرَ، وأبحث عن فكّي الصخرة

دُسَّ الصيحةَ في ظلمتها.

أنتَ خسرتَ حياتكَ حين استسلمتَ لهذا الأعمى

هو باب المأساة، 

كلُّ فضائحنا جالسةٌ بتُقى

ندخلُ نحني الرأسَ لها.


هذا الحزن جديدٌ في العالم

يُبهضني حتى ظلمة بيتي وأعودُ به.


أنا نسْلُ الأقنان الأبديين

الكون الصعبُ يُحاصرنا

من زمنٍ والكون الصعبُ يُعيدُ الصوتَ لنا 

والريحُ بهذي القيعان السوداء 

تجوبُ بأسماء القتلى والمغلوبين.


لم يبقَ سوى هذا اللمْع الذهبي

يومضُ في الظلمةِ يخفى

أهو يحذّرني، يدعوني؟

لا أحدٌ غيري، 

وجهي وحدَهْ!

أسلكُ هذا الوَحلَ الخوفَ واسألُ نفسي:

هل يبقى فرحٌ بنصاعتِهِ،

هل يبقى ألَقُ الله 

وأنا أعبرُ هذا المستنقعَ للوردة؟