الزوراء.. الرصيد الذي يتبقـّى

الرياضة 2023/07/31
...

علي رياح



تبدّلتْ الأحوال في كرة القدم، ولم نعد نسمع شيئاً من مفردات الانتماء والوفاء وردّ الجميل مُضافاً إليها عبارة (ابن النادي) والتي تختزل تقليداً لم يعد قائماً في عُرف الاحتراف.

المال هو الذي يحكم ويتحكّم، وهو الذي يحدّد مؤشرات نجاح أي نادٍ في الحصول على السيولة المالية التي تتيح له التحرك في السر والعلن لإتمام صفقات استدراج اللاعبين.. وفي الأسبوع الماضي كنت اتحدث في هذا الحيز عن ثروات مُلاك أو أصحاب الأندية البريطانية وكيف حققوا بثرواتهم قفزات نتائجية مهمة لهذه الأندية بموازاة رفع أرصدتهم الشخصية في البنوك، كدليل على أن اللعبة لم تعد تـُدار بالعواطف واستدرار المشاعر واللعب على الكلمات، بقدر ما باتت رهن من يملك المال، ومن ينفقه استثماراً، ومن يدير هذا الشأن بعقلية عملية تجارية تحقق في خاتمة المطاف تطوراً في المسار الفني للنادي، وللمسابقة، وللعبة كتحصيل حاصل.

رأيت ردوداً من أصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي تتساءل عن مصير الصلة الروحية التي تربط اللاعب بناديه (الأم) أو ما يتبقّى منها، وكنت في سياق الإجابة اتحدّث عن التجربة العراقية في الاحتراف، وكيف أن نادياً مثل الزوراء ظل طويلاً يراهن على تقاليد لم يعد في وسعها أن تصمد، فلقد ورثتُ كما ورثَ غيري حقيقة أن النخبة من لاعبينا كانت تتجه في أزمنة مضت نحو الأندية الكبيرة أو الجماهيرية.. وهي في سبيل اللعب لهذه الأندية تتناسى حقوقها، وتتنازل عن مردود مالي ربما يكون متاحاً في أندية أخرى، وفي قناعتي أن نادياً مثل الزوراء كان بين المحطات التي تذهب إليها أحلام وتطلعات اللاعب الشاب أو الموهوب، ربما لوفرة إنجازاته المحلية قياساً بما حققه سواه من كبار الأندية، أو لأنه يحظى بغطاء جماهيري كبير هذا إن لم أقل غطاءً جارفاً على المدرجات.

تلك حقيقة، تواجهها حقيقة تنشأ في الاتجاه المضاد، وهي أن سوق الاحتراف لم تعد تمكّن الزوراء من أن يحتفظ بكل هذا الإغراء للاعب، لأنه ببساطة لا يملك المال، ولم يعد منطقياً أن يكون رهان اللعب في الوضع الاحترافي قائماً فقط على جماهيرية النادي أو سعة إنجازاته، فلقد تقدمت أرقام العقود وصارت هي الأساس الذي يتحكّم في (السوق).

أعرف أن إدارة الزوراء تعاني الأمرّين في تأمين السيولة النقدية لإتمام أفضل التعاقدات، لكنني أعرف أيضاً أن الدنيا غيرَ الدنيا، والأكثر أن أندية غريمة تتسابق على التعاقد مع هذا اللاعب الزورائي أو ذاك ولها كل الحق ولا لوم عليها في ذلك.. اللوم – كنتيجة - يجب أن يقع على أية إدارة لا تتدبّر أحوالها وهي تتلفت ذات اليمين والشمال لتجد قدرة أندية أخرى على أن (تضبّط) أمورها بهمة وذكاء وتستملك السلاح المنطقي الذي يستدرج اللاعب.

عقلية أن لاعباً يحب نادياً أو يهوى ارتداء قميص مُحدّد لجماهيريته ورصيده في الأمس من الإنجازات، صارت قديمة وهي في واقع الأمر عقلية بالية.. فإذا كانت لديك حاجة إلى مدرب أو لاعب مميز فعليك أن تضع أموالك على الطاولة، بغير هذا ستجد أنك تنفق من رصيدك التاريخي بعد أن نفد رصيدك المالي، والمشهد كله يعني خسارة تعقبها خسارة أكثر فداحة.