الإمام الحسين.. أسرار الخلود العظيم

آراء 2023/08/01
...

 د. صادق كاظم
كثيرة هي الثورات التي مرت عبر التاريخ، لكن ثورة الإمام الحسين (ع) بأبعادها السياسية والتاريخية والانسانية وحدها من نالت المجد والخلود والتجدد عبر التاريخ، حيث الشموخ والإباء العظيم، وهو يقف بمواجهة الطغيان والاستبداد والظلم والانحراف. بنو أمية جاؤوا إلى السلطة عبر قفزات واستغلالات انتهازية لظروف ومواقف مر بها المسلمون واختلفوا بسببها، جعلتم يلتقطون لحظة الضعف والانكسار التاريخي، الذي حصل في ذلك الوقت ليقفزوا إلى السلطة، عندما حاك اجدادهم مروان ومعاوية أكثر أنواع المكائد والمكر والخداع السياسي خبثا ودهاء
 ليصنعوا منها سلما للوصول إلى السلطة وابتداع نوع مغاير، لما عرفه المسلمون خلال العهد الراشدي الذهبي من نظام حكم العائلات على شاكلة الامبراطوريات والملوك، لا الحكم التشاوري البسيط المبني على اسس الشورى والكفاءة والنزاهة.
كان اختيار يزيد حاكما للمسلمين رغم ما عرف عنه من فسوق ومجاهرة بشرب الخمر واحداً من الأخطاء، التي ارتكبها معاوية، الذي أرغم المسلمين وزعماءهم على البيعة له ولو بالقوة، باستثناء الامام الحسين (ع) وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب، الذين رفضوا ذلك، لكن الإمام (ع) كان اكثرهم خطورة وتهديدا للمشروع السفياني، حيث بادر يزيد إلى الطلب من الامام بالبيعة من خلال المحادثة المعروفة في قصر والي المدينة، والتي انتهت بعزم الإمام على المغادرة والشروع بتنفيذ الثورة، التي لم يجد أنسب وقت لها بعد الان، حيث المشاعر والقلوب الكارهة لحكم بني أمية، ورغبة المسلمين بالعودة إلى الحكم، الذي عرفوه في الماضي، والذي كان أكثر عدلا ورخاءً بالنسبة لهم. لم يتحرك الامام (ع) بناءً على عواطفه أو مشاعره، بل من خلال رؤية صائبة ودقيقة للاوضاع، حيث كان يدرك بأنه لا بد للمسلمين من ثورة تقتلع ركائز الظلم وتشجعهم على استرداد الكرامة والحرية، التي فقدوها على يد حكام بني امية الظالمين والعابثين.
كان الطاغية يزيد يعلم أن وجود ثائر عظيم بحجم الامام الحسين (ع) يشكل خطرا وجوديا وتهديدا عاصفا لنظام حكمه، فكان القرار بتصفيته.
دخل الامام الحسين العراق قادما من مكة المكرمة بعد محاولات عديدة لقتله من قبل بني أمية في مسيرة استغرقت أياما، انتهت بمحاصرته (ع) ونقله إلى أرض كربلاء الحالية، حيث اختار الجيش الاموي بمساعدة متطوعين مجرمين من أهل الكوفة من المرتزقة إجبار الامام على تقديم التنازلات بالقوة وبالذل، من خلال فرض شروط تعجيزية على الإمام يعرفون جيدا أنه لا يقبل بها. كان عبيد الله بن زياد من يدير المفاوضات والقتال بأمر من الطاغية يزيد، بعدما قضى على المعارضين والموالين من أنصار الحسين (ع) وقتل السفير مسلم بن عقيل (ع).
كانت العزيمة والارادة الحرة الأبية عنوان ثورة الامام، حيث ألحق ومواجهة الباطل هو المحرك الحقيقي للثورة ودافعها الأعظم. رفض الإمام تقديم التنازلات وفضل القتال والشهادة، رغم انعدام فرص النجاة امام هذا الجيش، الذي يفوق عدد أنصار الإمام بآلاف المرات، لكن درب التضحيات لا بد أن يطرز بالدماء الزكية الطاهرة، وعندما يكون الخيار هو الوحيد والمتبقي. لم يبالِ الإمام واهل بيته وانصاره برهبة الموقف، بل قرروا الشهادة ونيلها ما دامت هي من تصنع الكرامة والخلود. دارت على ارض الطف واحدة من اكثر الملاحم قسوة والما، حيث اجرام الجيش الاموي وانحدار المستوى الاخلاقي والسلوكي لافراده وجراتهم على الله والرسول،حين استباحوا دماء الامام واهل بيته وامعنوا فيها قتلا وتمثيلا ونهبا وسلبا.لكن هذا النصر المزيف والمخادع الذي حققه يزيد سرعان ما انتهى كفقاعة،اذ اخذت الثورات تندلع في جميع اطراف الدولة في المدينة وفي الكوفة وفي الحجاز كلها تعلن التمرد وتستلهم من ثورة الامام الحسين (ع) منهجا ومطلبا لها. اليوم تتوهج ثورة الحسين وتخلد في ثنايا السير والبطولات وتسير إلى الامام تتخطى حواجز الزمن والسنين والمسافات. يعلمنا الامام الحسين (ع) بان مواجهة الباطل والظلم والفساد هو طريق الاحرار والابطال الذين يصنعون لامتهم وشعوبهم حاضرا مشرقا ومستقبلا مزدهرا واما الخنوع والقبول بالظلم والفساد والركون اليه لن يجلب سوى الدمار والخراب وضياع الامل بالمستقبل.