حسب الله يحيى
كتاب يحمل عنوان (الإيقاع الروائي /تقويض حتمي وتجديد جدلي)، صدر عن دار المأمون للترجمة والنشر/ وزارة الثقافة العراقية، بترجمة عن الفرنسية لعبد اللطيف الموسوي.
الكتاب يقع في 123 صفحة، ويضم مقالات صحفيَّة قصيرة يعنى قسم منها بالإيقاع الروائي فعلا، فيما تعنى مقالات أخرى بحبكة الرواية، وبنية الحكي والسرد في رواية (جاهلية) للكاتبة السعودية: ليلى الجهني، والتأسيس للمكان في الرواية.
ترى (دار المأمون) بوصفها (الناشر) للكتاب ان هذا الحقل الذي يناقشه الكتاب ((حقل أغفله الباحثون والكتاب طويلاً.. ولم يكتب عنه الكثير وعلى مدى سنوات طويلة لا في الغرب ولا في الشرق)).
فيما ينقل المترجم وعلى لسان احد (الكتاب) قوله: (ندرة الدراسات) التي تناولت هذا الجانب، وللمرة الثالثة يؤكد المترجم (قلة الدراسات) التي بحثت في موضوع الإيقاع الروائي، الذي يعده امبرتو
ايكو هو:
((ضبط بنية النص ومعماره واضفاء الحيويّة وروح الحركة والنظام عليه))، فيما يكتب فؤاد زكريا: أن ((الرواية الجيدة هي التي تنتظم في ايقاعات جيدة، إيقاع للزمان وآخر للمكان، إيقاع للشخصيات وآخر للأحداث، بل إن الإيقاع هو الذي من خلاله تتعرّف على مصائر الشخوص ونهاية الأحداث)).
بينما يرى أحمد الزعبي أن الإيقاع ((يضبط حركة الحدث والمكان والخط واللون)) فيما يعتقد حسين المناصرة بما قاله نورثروب فراي: إنّ ((دراسة الإيقاع في الرواية تكشف عن عمق العلاقات بين الناس والأشياء وحركة الأشياء)).
وهذه المقولات التي يستشهد بها المترجم، في مقدمته، تتناقض مع ما ذهب اليه حول ندرة ما كتب عن (الإيقاع الروائي).
ومع أن الايقاع قائم في الموسيقا والشعر على وجه التحديد، الا ان فن القصة والرواية والمسرحية لها ايقاعها الذي يجعلها مقبولة وتتحرك على وفق سياق فني منضبط.
إن هذا الايقاع لا يتعلّمه الروائي عن طريق هذا الكتاب العابر، ذلك أنّه في الكتابة يقوم على جملة قراءات فكريَّة وإبداعيَّة متنوعة وعن طريقها يتبين الروائي بمنهجيّة منجزه الروائي.
وعندما نتوقف عند هذه المقالات نجد أن المقال الاول (إدارة الايقاع في الرواية) لبيريك مسيان يورد العبارة الآتية: "ان الرواية قبل كل شيء هي حبكة، قصة يتولى المؤلف انضاجها بقدر أو بآخر، لينشئ نصاً يتكون من بضع عشرات، أو بضع مئات من
الصفحات".
ذلك ان "الحبكة" جزء من مكانة النص، ولكن ليس كل النص، فهناك رواية احداث او شخصيات او اماكن او ازقة، وقسم من الروايات تفرط بمثل هذه الحبكة التي يمليها الكاتب على الروائي..
إن بروست او جيمس جويس او الن روب غرييه وسواهم لا يعتدون بـ (حبكة) ولا (ايقاع) لأعمالهم وانما نجد الانسيابية والتلقائية تأخذ مداها على نطاق واسع في فضاء الرواية.
كذلك لا يمكن الزام القارئ لكي "يكون المكان المناسب ليقرأها .. يقصد الرواية ولا (المكونات) – السرد والحوار والوصف والحدث – هي من يحدد "ايقاعك من خلال الطريقة التي تتعامل بها مع كل من هذه المكونات".
وننتقل الى مقال (تكييف ايقاع الرواية) لكاميل دافيد: "ان فهم من سيقرأ الرواية ومن سيحب هذه الرواية يؤدي ايضا الى تغيير اسلوبي ليتلاءم مع ما يطلبه القارئ المتوقع".
ونرى أن ماجيسا اوريلي في المقال المعنون (تقويض ايقاع الرواية.. ) الى ان رواية (الحجلة) للكاتب الارجنتيني خوليو كورتزار – وللعلم فإن (لعبة الحجلة)/ رواية: خوليو كورتزار، كان قد ترجمها الى العربية: علي ابراهيم ـ مراجعة: صلاح فضيل/ وصدرت عن المجلس الاعلى للثقافة - القاهرة 2000 - " كأنها خواطر روائي خيالي تتعلق بفن الرواية "وهو حكم فيه إعمام قطعي بشأن هذه الرواية الفلسفية الضخمة، يقابله رأي قطعي آخر يقول: "هذا الكتاب هو بمثابة كتب عدة"!!.
وصولا الى العبارة: "لن اختار إلا ما يهمني في هذا المقام وهي: "الحق في عدم القراءة، الحق في القفز على الصفحات، الحق في عدم انهاء الكتاب، الحق في اعادة القراءة، الحق في الاقتباس..".
ويقرر ايريك بوردا في مقاله (ايقاعات الحكي لدى بلزاك..) الى ان: "الايقاع .. هو نسيان يؤيده علم العروض"، فهل يمكن القبول بمثل هذا التعريف؟
وماذا يفهم من قوله "مسألة الايقاع يمكن ان تكون معياراً جيداً للتوجس الشهير (الاسلوب السيئ) الذي غالباً ما كان السبب في دفع الاكاديمية الفرنسية الى التنديد بأعظم أدباء تلك الحقبة" – ويقصد بها حقبة روايات بلزاك التي يعدها الفيلسوف كارل ماركس انه قد عرف من خلالها طبيعة الشعب الفرنسي، ونقرأ مقالا لإليزابيث فونييه (بنية الحكي وانماط السرد في رواية
جاهلية):
"عملت الروائية – ليلى الجهني – على بناء الفصول المختلفة وفقاً لنمط متكرر بشكل يضمن تماسك العمل ككل"، فهل يعد التكرار تماسكاً أم خللا وضعفاً في طبيعة
الرواية؟!.