ميادة سفر
لم تعد الحروب والسياسات القمعية والأزمات الاقتصادية أسباباً حصرية للهجرة واللجوء، فقد برز إلى الواجهة في السنوات الأخيرة سبب آخر أكثر خطورة وإلحاحاً من غيره، تمثل بالهجرة البيئية، كانت المنظمة الدولية للهجرة عرفت في عام 2007 « المهاجرين البيئيين بأنهم: «مجموعة من الأشخاص الذين لأسباب متعلقة بتغيرات مفاجئة أو تدريجية في بيئاتهم، يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة أماكن إقامتهم».
وهكذا أصبحت الهجرة البيئية واقعاً مؤلماً جديداً سيواجه العالم، بسبب الأوضاع المناخية من جفاف وندرة مياه ونقص المحاصيل والعواصف والفيضانات والزلازل والحرائق، مما دفع الكثيرين للهجرة بحثاً عن سبل جديدة للعيش سواء داخل بلدانهم أو خارجها، وكان تقرير للبنك الدولي عام 2018 حذرّ من أن الآثار المتفاقمة لتغير المناخ، قد تدفع أكثر من 140 مليون شخص في أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء إلى الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050، للأسباب التي أشرنا إليها آنفاً، وحذرّ التقرير من أنّ هؤلاء المهاجرين، وبسبب تغير المناخ، سيضافون إلى ملايين الأشخاص الذين يهاجرون بالفعل داخل بلدانهم لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.
إن هذه الوقائع والأوضاع التي تؤكدها التقارير والأبحاث بشكل قطعي، يجب أن تكون بمثابة إنذار للدول جميعاً كي تتخذ إجراءات أكثر جدية وفاعلية للتخفيف من آثار التغير المناخي، وتفعيل عمل المؤسسات والمنظمات والهيئات التي تعمل في مجال التنمية المستدامة لتحقيق تنمية أكثر شمولاً، لأن الأرقام التي تظهر وحجم الخسارة التي يمكن أن تتكبدها الدول في ناتجها المحلي، إن استمر الوضع على ما هو عليه، تنبئ بكوارث بيئية وبشرية هائلة لا تحمد عقباها.
لن يكون العالم العربي بمنأى عن تلك الهجرات في ظل الكوارث البيئية التي يشهدها غير بلد عربي، ها هي الحرائق تلتهم مئات الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية التي لن تعود صالحة للإنتاج إلا بمرور سنوات طويلة، فيما يترك ارتفاع درجات الحرارة والجفاف أثره الكارثي على المحاصيل الزراعية في ظل ندرة المياه وشحها في الكثير من المناطق، مع ما يتركه من عواقب على الإنتاج الغذائي المحلي، وبالتالي تدهور سبل العيش في المناطق الريفية، الأمر الذي يمهد الطريق لتدفق وتزايد أعداد المهاجرين إلى المدن أو إلى دول أخرى بحثاً عن مصادر رزق جديدة، وكان البنك الدولي حذر منذ سنوات أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي من بين أكثر الأماكن عرضة للخطر على سطح الأرض.
يبدو أنّ على منظمة الأمم المتحدة إعادة النظر بتعريف اللاجئ الذي ضمنته اتفاقية اللاجئين لعام 1951، والذي كان حتى اللحظة مقتصراً على «الأشخاص الذين لديهم خوف من التعرض للاضطهاد بسبب عرقهم أو دينهم ـ وجنسيتهم أو عضويتهم لجماعة اجتماعية معينة أو ذات رأي سياسي معين»، ليضاف إليها أولئك الأشخاص الذي دفعتهم الكوارث البيئية والطبيعية وتغيرات المناخ إلى ترك بلدانهم واللجوء إلى أخرى أكثر أمناً مناخياً وغذائياً وبيئياً.
إنّ ما يجري اليوم من حولنا من دمار للطبيعية يدعونا جميعاً إلى التأمل قليلاً واتخاذ الخطوات والإجراءات الكفيلة بوقف هذا التدهور والانهيار الذي يتعرض له كوكب الأرض، والذي لن يقف عند الطبيعة بما فيها من مساحات خضراء ومياه وأراضٍ صالحة للزراعة، بل سيطال الإنسان أينما كان إن عاجلاً أم آجلاً.