يسألونك عن الحسين

آراء 2023/08/02
...







 طالب الأحمد


ذات يوم من أيام شهر محرم الحرم، قبل بضع سنوات، كنت أتابع مع صحافيين من بلدان عربية عدة ما تبثه الوكالات والمواقع الالكترونية من تقارير عن مراسم إحياء العراقيين لذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام.

إحدى الزميلات العربيات في غرفة تحرير الأخبار التفتت إليّ وسألتني: 

- ما صلة القربى بين الحسين وفاطمة الزهراء؟

فوجئت بالسؤال لأول وهلة، واستغربت كيف أن صحافية عربية تجهل نسب الإمام الحسين.

قلت لها محاولاً إخفاء دهشتي حتى لا أحرجها: 

- الإمام الحسين ابنها.

قالت بتعجب: 

- والله ؟!.. لم أكن أعرف ذلك.

ثم أردفت بما يشبه الاعتذار:

- ليس لديّ إطلاع كافٍ على تاريخ الإسلام وسيرة الإمام الحسين، وفي بلدي تعلمنا منذ الصغر أن يوم عاشوراء هو يوم صيام شكراً لله تعالى على نجاة النبي موسى من فرعون وجنوده، وليس هناك ذكر للحسين واستشهاده.

وللإنصاف ينبغي القول إن زميلتي ليست استثناءً في عالمنا العربي في عدم معرفتها بحقائق التاريخ، لا سيما ما يتصل منها بنهضة الإمام الحسين وملحمة كربلاء، التي غيّرت إلى الأبد مسار التاريخ الإسلامي. فالحسين كتجسيد مُخلّد لمفهوم الشهادة، وكرمز إسلامي وإنساني للبطولة والصمود بوجه الطغيان، مُغيّب عن مناهج التربية والتعليم وكتب التاريخ الدراسية ووسائل الإعلام في معظم البلدان العربية، وعندما تحل ذكرى استشهاده في العاشر من محرم كل عام، يتم تجاهل المناسبة عمداً في الإعلام العربي الرسمي وغالبية القنوات الفضائية الدائرة في فلكه، حتى أنها تتحاشى ذكرها في فقرات «حدث في مثل هذا اليوم»!. وإذا فرضت الزيارات المليونية – في السنوات الأخيرة - لمرقد الإمام الحسين في يوم عاشوراء نفسها على التغطيات الإعلامية للوكالات الدولية، يقوم هذا الإعلام بتأطير الحدث طائفياً ومصادرة الرأسمال الرمزي الهائل لعاشوراء وكربلاء من خلال التعريف بالإمام الحسين على أنه «الإمام الثالث للمسلمين الشيعة» في تناقض صارخ مع الخطاب النبوي، الذي أجمع عليه أهل السنة والشيعة باعتبار الحسن والحسين «إمامان قاما أو قعدا» وأنهما «سيدا شباب أهل الجنة» و»ريحانتيّ الرسول (ص)».

 على أن هذا التغيبب والتجاهل لن يكون بوسعه حجب الحقائق لمن أراد لها سبيلا، ففي عصر ديموقراطية المعرفة وثورة الاتصالات، التي اجتاحت كل بلدان العالم أصبحت المعلومات وشتى المعارف، التاريخية منها والمعاصرة، متاحة لكل إنسان بمجرد لمسة على تطبيق»غوغل» في الحاسوب أو الموبايل.

ومانريد أن نلفت النظر إليه هو أن للملحمة الحسينية في عاشوراء بُعدا رمزيا إنسانيا عميقا، يتجاوز سرديات الخلاف بين الشيعة والسنة في الفقه وفي قراءة التاريخ، فالحسين وارث رسالة الأنبياء وحامل راية الإنسان المظلوم منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام وحتى آخر الزمان، وفي ضوء ذلك يجب أن يقرأ العرب قبل غيرهم دلالات ورمزية حركة الحسين صوب كربلاء، ويعيدوا صياغة ذاكرتهم التاريخية بلا تطييف أو تسييس. 

ولن أكون مغاليا أو مجابنا للصواب لو قلت إن الجهل بالتاريخ وعدم استلهام دروسه وعبره، يُعد من أبرز عوامل صناعة التخلف في مجتمعاتنا، فالتاريخ – كما يقول المفكر علي شريعتي – هو حقيقة عميقة متعالية يستطيع أن يفهمها فحسب إحساس مهذب وفكر منطقي متكامل عند إنسان متحضر ومتقدم.

وخلاصة ما أريد قوله هو إن رمزيات التاريخ عماد هوية الإنسان والمجتمع، وبدون وعي التاريخ، لن يكون بوسعنا التقدم إلى أمام وصناعة مستقبل زاهر للأجيال القادمة.