حسين الذكر
في الدول المتحضرة نسمع بمجالس الحكم المحلية التي تبدأ من أصغر قرية ومدينة، حتى تصل إلى ذروة الحكم الميداني والمنشآتي لأكبر المدن العالمية، فنجد هناك مجلسا محليا حاكما بصلاحيات تنظيمية وتطويرية وإدارية، نافذة وواسعة وقادرة على تتبع كل مفيد للمدينة ويستند للقانون، بعيدا عن التحزبات والمحاصصات والتقسيمات السياسية، حتى يصبح الإنجاز الفعلي الخدمي الظاهر للعيان والماس لمصالح العامة هو المعيار الحقيقي، والفاعل الوحيد للتقييم، والذي على أساسه ووفقه تعطى الأصوات في الانتخابات.
في العراق وبعد 2003 ظهرت لدينا المجالس المحلية وانتخاباتها التي اتسمت بنقطتين أساسية: الأولى: تعلقت بالبعد الانتخابي وما يتعلق به من صراع على الفوز بالمقاعد لتقوية الأحزاب والكتل، وغير ذلك من مسميات استغلت الشارع لتمرير مرشحيها بطرق شتى وعناوين مختلفة، بمعنى أن الانتخابات هدف للسيطرة والتغلغل الحزبي قبل أي معنى اخر مما يطبق على المجالس المحلية.
الثانية: إن صلاحيات المجلس واعضائه، لا سيما في المدن والقرى محدودة جدا، وبقيت محدودة حتى تم حلهم، ولم تر لهم منجزات على ارض الواقع، إلا ما كان الناس تطلقه على سبيل التندر والسخرية: (إن واجبات المجلس حددت بإعطاء كتاب تأييد سكن بسعر خمسمئة دينار فقط، وهذا هو الدور الذي كان يؤديه المختار أيام زمان وحاليا)، وذلك لا يتوازي مع طبيعة ودعاية الانتخابات وما يصرف عليها وما ينتظر منها، فضلا عن الرواتب والتكاليف الضخمة التي تنخر ميزانية الدولة، فضلا عن المركزية التي يتمتع بها الفائزون مع عمقهم الحزبي والكتلوي يجعلهم سلطة جديدة على رقاب الناس.
قراءة: كلامنا هذا لا يعني التشاؤم ولا يقلل من حجم الخدمات، التي قدمها بعض الأعضاء وبعض المراكز المحلية، لا سيما أيام الإرهاب والطائفية، حيث كان لهم دور كبير ومشهود ويشكرون وياجرون عليه، لا سيما بتهدئة الأوضاع ومساعدة الناس وتنظيم بعض الأمور.
ذلك يدفعنا للبحث عن آليات أفضل ومنهجية فكرية أرقى لعمل المجالس وأن يكون الفائزون فعلا أدوات لعمل الفارق الخدمي والاجتماعي للمدن التي يحكمونها، وما يجب أن يكونوا عليه كسلطة عليا في مدينتهم – ليس للابتزاز والكسب الخاص والهيمنة الحزبية– بل لخدمة الناس وتطوير البيئة والمجتمع، وهذه محاور مقدسة لا يمكن تدنيسها بشهوات البعض، فضلا عن خطل وخطأ الأفكار والتوجيهات والمرجعيات الضيقة والخاصة، التي تدفعهم باتجاه معاكس للأمة.