فتنة حرق المصحف وتسعير خطاب الكراهية

آراء 2023/08/02
...






 عبد الحليم الرهيمي


مهما يكن الهدف الذي أراد تحقيقه المدعو سلوان العراقي، وطالب اللجوء في مملكة السويد من جريمة تمزيق وحرق نسخة من القرآن الكريم، وحرق العلم العراقي أمام السفارة العراقية في السويد، سواء طلباً للشهرة والدعاية لنفسه أو تنفيذاً لاجندات خارجية أو لأي هدف آخر فإن هذا الفعل الاجرامي، قد شكل فتنة سوداء، كادت تستعيد إحداث الشرخ، الذي برز في فترات سابقة بين الإسلام والغرب، الذي افتعلته الجماعات الاسلاموية المتطرفة وخطابها التحريضي المعادي للغرب وثقافاته، بينما رد عليها المتطرفون في الغرب بتحريض وعداء مماثل وشاع مفهوم (الاسلاموفبيا)، الذي حاول إشاعة الخوف من الاسلام لدى الشعوب الغربية .

غير أن انحسار تأثير الجماعات الداعية لمعاداة «الغرب الكافر» المعادي للاسلام والمسلمين ووعي الشعب السويدي والشعوب الغربية المتزايد، بتفهم خصوصيات كل مجتمع واحترامها تمثل تزايد الوعي والتفهم لدى شعوب البلدان العربية والاسلامية، قد أحبط محاولات توظيف هذا العمل لرجل معتوه ومعقد، رغم محاولات بعض الجماعات عندنا من الاستغلال البشع لهذا العمل، لتسعير خطاب التعصب والكراهية، الذي عبر عنه البعض خلال التظاهرات التي حدثت في عدد من المحافظات العراقية لأيام وبرز فيها سياسيون  ليوجهوا الشتائم والسباب لـ (الغرب الكافر) المعادي للإسلام ويدعون لمقاطعتهم ومعاداته، وبدت تلك التظاهرات وكأنها تحمل أجندات (فكرية) وسياسية مستغلة فتنة حرق المصحف الشريف.

وإذْ عبر الكثير من البلدان العربية والاسلامية عن ادانته ورفضه واستنكاره لهذا العمل المشين دبلوماسياً وسياسياً واعلامياً ، فقد زاد عليها العراق باتخاذ اجراءات احتجاجية دبلوماسية، تمثلت بدعوة السفيرة السويدية الى مغادرة العراق واستدعاء سفيرة العراق بالسويد القدوم الى بغداد . 

لكن العراق زاد على ذلك. ليس بقيام جماعة من المتظاهرين باقتحام السفارة السويدية في بغداد واحراقها، بما شكل عدواناً سافراً على السيادة السويدية وإحراجاً لموقف العراق وحكومته المعنية بحماية أمن السفارات والبعثات الخارجية .

إن المفارقة في ردود الافعال العربية والإسلامية على هذا الحدث – الفتنة لمعتوه، أن بعضها انساق، ومنها العراق لاتخاذ اجراءات دبلوماسية ضد الحكومة السويدية دون أن يدرك ويعرف أن هذا العمل، قد رفضته الحكومة عبر الشرطة التي تقدم إليها صاحب الجرم سلوان، فقررت رفض طلبه ومنعه من إحراق المصحف، لكن توجه بعدها إلى أحد (القضاة) السويديين، الذي أجاز له باسم (حرية التعبير)، تمزيق وحرق المصحف الشريف، في حين عبرت السفيرة السويدية والخارجية السويدية، بعدم قبولهما بهذا الإجراء، لكن لا سلطة لهم على القضاة (المستقل) عن الحكومة. 

ومعنى المفارقة هنا كان على البلدان العربية والاسلامية أن تفهم وتتفهم هذه الوضعية (المعقدة) بقدر ما – وتنسق مع الحكومة السويدية لإصدار بيانات ومواقف مشتركة تدين مثل هكذا أعمال، سواء ضد الإسلام ومقدساته، أو ضد بقية الأديان ومقدساتها، ثم العمل معا لرفع مادة (حرية التعبير) الواردة بالدستور أو تعديلها بصيغة تجرم من يستغل هذه المادة، لغير حرية التعبير عن الرأي من السياسة والاقتصاد والإعلام والقضايا الأخرى، دون المس بالأديان والمعتقدات السماوية أو الدينية للمعتقدين بها، وللأسف أن ذلك لم يحصل حتى الآن .

وفي آخر المواقف الرسمية للسويد أعلن رئيس الحكومة قراره، بإلغاء هذه المادة (حرية التعبير) من الدستور، لما ترتب او ستترتب على استخدامها السيئ مستقبلاً أضرار وتهديد للسلم المجتمعي، والاضرار بمصالح السويد وشعبها .

ومن هذا الموقف للحكومة والمواقف التي لم تقبل بعمل المعتوه سلوان أن تبادر الحكومة العراقية وحكومات البلدان العربية، العمل معاً وبالتنسيق مع الحكومة السويدية لإلغاء أو تعديل تلك المادة من الدستور ولان قرار الحكمة السويدية غير ملزم لتعديل أو حذف هذه المادة، إنما البرلمان أو الشعب الذي انتخبه، فينبغي والحالة هذه توجيه المساعي لإقناع البرلمان أو إقناع الشعب السويدي المطالبة والضغط على البرلمان لتعديل هذه المادة، وذلك بتوجيه النداءات والمناشدات العربية والإسلامية رسمية وشعبية وكتابة المقالات بالصحف السويدية، لأن يقوم الشعب السويدي بدوره بالغاء هذه المادة في الدستور، كي لا يمكن تكرارها ضد الإسلام والمسلمين وبقية الأديان من عناصر مخبولة أو صاحبة أجندات في المستقبل .