السّير الشخصيَّة تكشف خفايا المشاهير

ثقافة 2023/08/02
...

 وارد بدر السالم

بشكل واف ومختصر يعيد لنا كتاب “ما لا تعرفونه عنهم- خفايا المشاهير” لمؤلفه ديل كارنيجي، السير الشخصية ومفارقات حياة عدد من العلماء والسياسيين والسينمائيين. وفي معظمها مفارقات غريبة قد تبدو المصادفة والحظ لعبا دورهما، لكن الأمر ليس كذلك. فالموهبة الكامنة، تؤجل إشهارها لتخرج إلى الحباة بأكثر من طريقة. فالعالَم ليس”قرية صغيرة”، كما يختزله عالم الإلكترونيات ويجمله في كثير من الأحيان، بل هو متسعٌ اتساع الحياة وزمنها الممتد إلى البُعد الرابع والخامس في الأكوان البعيدة.

ديل كارنيجي مؤلف الكتاب الشهير “دع القلق وابدأ الحياة” يرسم بشكل مباشر في هذا الكتاب الخطوط البيانية الحياتية لمجموعة بشرية في المجالات العلمية والإنسانية والعسكرية والسياسية، عاشوا معادلات الحياة المتناقضة في الفقر والغنى والغرور والتواضع والتسلط، ليكشف بعضاً من خفاياهم، لا سيما أولئك الذين تركوا بصماتٍ في التاريخ الإنساني.

ولا تزال أفكارهم قبساً للإنسانية في كل مكان.

وتكفي الإشارة إلى بعضٍ من 18 مبدعاً جاء الكتاب عليهم، لما لهم من أهمية تاريخية في التاريخ البشري والإنساني العام.

آينشتاين الموصوف بأنه اكبر عقل بشري. كونه واضع نظريتَي النسبية الخاصة والعامة. لا يعرف الكثيرون أن وراء ذلك العقل صبياً خجولاً وبليداً.

قد لا يبدو مثيراً جداً؛ لكن الصبي الخجول فيه كان- بشكلٍ سري- يتأمل الكون وعجائبه وأجزاءه وأسراره، فخرجت من معطف الصبي نظريات واكتشافات معقدة أذهلت الأجيال بالعلم المعقد، لا سيما في نظريته النسبية (التي يفهمها 12 فرداً في العالم كما قال ذات مرة) وحتى بعد نبوغه العلمي الفريد، ظل بسيطاً ومتواضعاً، يكره ويمقت الشهرة والمال والمديح، لأنه كائن زماني في بُعده الرابع، كما لو أنه وُجِد خطأ في هذا الكوكب الكبير. 

لذلك يقول (ما يهمني اكثر من الماضي هو المستقبل حيث انوي العيش فيه) ولأنه تحرر (من افكار الاخرين) قال الحكمة بشكل مستريح، فاستقلّ بشخصيته الفذة، من دون الالتفات إلى الوراء، إلى الصبي البليد الخامل الخجول الذي لم يكن يشي بالعبقرية.


القصة السخيفة التي راجت

سبق آينشتاين إلى الشهرة والنجاح الفذ لويس كارول ربما بمصادفة مهمة في حياة صاحب “ أليس في بلاد العجائب” الذي كان يشعر بالخجل من أنه كتب رواية، ويستسلم لشعور غريب بامتهان كرامته لو نشرها.

أي أن عقله “النقدي” سبقه إلى قرار النشر. فأركنها بين أدراجه وقتاً طويلاً. ولم يتوقع كارول بأنها ستكون من أشهر الروايات العالمية الخاصة بالأطفال، وكان مبعث تردده في نشرها كونه مدرّسَ رياضيات مغموراً، ويتولى مهمة الوعظ والارشاد في الكنائس في أيام الآحاد، بطبعه الخجول المرتبك بشخصيته العلمية والوعظية. فاعتقد بأن ما كتبه هو (قصة سخيفة) ونشرُها يُعد امتهاناً لحريته الشخصية.

غير أن صديقاً له قرأها وأعجب بها وفضّل نشرها في نهاية الأمر، فأحدثت ضجة كبيرة في أوربا والعالم، وترجمت إلى أكثر من 40 لغة عالمية وشرق أوسطية.


الزواج الرئاسي الفاشل 

يسمى الرئيس الأمريكي الأسبق ابراهام لنكولن محرر العبيد، وتكفي هذه  الصفة لأن يكون على قائمة الرؤساء، الذين وازنوا ما بين الحالة الأمريكية “البيضاء” وبين المواطنين “السود”، الذين عانوا من انتهاكات نفسية وأخلاقية وجسدية.

لكن هذا الرئيس كان يعيش مأساة شخصية قد تكون خافية إلى حد كبير. وقد دُوّنت في التاريخ  لحظّه السيئ في الحياة عندما بقي سجينَ زواجه من ماري تود. ومن الثابت أن سوء الاختيار والحظ العاثر كانا وراء ذلك الزواج ( حتى قيل بأنه أتعس زواج في الأمة الأمريكية) مما تسبب بحزنه وكآبته على مدار مشوار الزواج الذي سجنه واغتصبه وحوّله إلى كائن مثير للشفقة.” مرة قذفت بوجهه فنجان القهوة الحارة امام الجميع فلم ينبس ببنت شفة ولم يوبخها عندما ذكر شيئا لأصحابه لم يرُق لها” وكان تعالي هذه الزوجة بسبب أصولها الارستقراطية جَدّاً عن جد، بينما كان لنكولن من أصول قروية فقيرة، لذلك كان الفارق الطبقي حاجزاً بينهما، ولم تشفع له رئاسته ولا وضعه السياسي أن يكون بمستوى ما تطمح اليه زوجته، فكانت التقاطعات بينهما قائمة، والمأساة تكبر، والمشكلات اليومية تزداد شراسة، حتى أصيبت ماري تود بداء العظمة، الذي أدى إلى وفاتها بالجنون. وهو مرض كان مضمراً في داخلها كما قال الأطباء النفسيون وقتها، غير أنه ظهر على السطح في نهاية الأمر.


خفيف العقل.. العملاق الضوئي

أديسون الرجل الضوئي العملاق على مدار الحضارة الإنسانية الذي اخترع المصباح الكهربائي. صاحب 1093 براءة اختراع امريكية. هو عَلم من أعلام التاريخ العلمي. ويمكن تشبيهه بالضوء العملاق الذي أنار البشرية وأخرجها من ظلامها. 

وما لا نعرفه عنه بأنه لم يقض في المدرسة سوى ثلاثة اشهر” لأنه ينسى ما تعلمه” حتى يئس منه اساتذته ووصفوه بـ “ خفيف العقل” و”أبله” و” لا فائدة من تعليمه” وكانت أولى خطواته في العالم العملي هي بيع الصحف. 

لكن عقله “التشغيلي” المبتكِر ظل خارج التعليم الممنهج. وكانت القدرة الاختراعية أقوى من الدراسة التي خرج من نمطيتها وسلوكها القار. وبالتالي فأن أديسون الذي لا يزال ينير العالَم بمصباحه الكهربائي، أحد الذين صنعوا أمجادهم بشكل فردي، وصنعوا تاريخ الضوء بقدرة فردية متميزة.


فأرة النجاح

ولعل والت ديزني (5 ديسمبر 1901- 1966) عاش الفشل من أوسع أبوابه. ولم ييأس. 

لكن (فأرة) صغيرة عَرضية مرت من أمامه ذات يوم، غيّرت له منهاج حياته بالكامل.

وقد جعلت منه أشهر وأغنى رجل في العالم. وهو الذي كان يجد صعوبة في تحصيل قوته اليومي، ويشكو الحرمان والافلاس. فبعد فشله الذريع في هوليوود بتقديم افلام هزلية عن الارنب أوسوالد، عالج فشله بعد ان تذكر فأرة في المرآب عندما أطعمها ذات يوم فصارت صديقته. 

لذلك استدرك فشله السابق برسم الفأرة في أوضاع مختلفة، لتلد سلسلة ميكي ماوس الشهيرة، التي تابعها الصغار والكبار في أوربا وكل العالم. فأرة صغيرة لا قيمة لها، حوّلت الرجل من حال إلى حال. انتشلته من الفقر المدقع إلى الثراء المفرط. وحالة ديزني قد تكون فريدة، لكن العزم النفسي والفردي بأن يقدم للإنسانية فناً رفيعاً، هو ما كان يدفعه لبلوغ مجده الشخصي عبر فأرة النجاح التي كوّنت عنده إلهاماً وقادته إلى النجاح العالمي.