وقفة عند جامع السراجي

آراء 2023/08/03
...



  نرمين المفتي
نفترض أن هدم مئذنة جامع السراجي في البصرة- ابو الخصيب والتي كان عمرها 300 سنة، سيضع السلطات المختصة بالآثار والتراث أمام مسؤولياتها في المحافظة على الشواخص المعمارية الاثرية والتراثية في العراق.

في بغداد مثلا، بدأنا نفقد أحياء بغداد القديمة، ببيوتها ذات العمارة البغدادية المميزة، وزيارة واحدة إلى الأحياء المتفرعة من شارع الرشيد ستكشف الخسارة الكبيرة لهذه الشواخص، والذي تتعبه الزيارة، فإن شارع الرشيد أمام الجميع ويوضح هدم المباني التراثية، وانشاء عمارات، ليست لديها اية صلة بالتراث المعماري البغدادي، ولا بتاريخ شارع الرشيد، واصبح مشهد الشارع هجينا قبيحا. قامت الدول التي تحترم تاريخ مدنها بالمحافظة على مناطقها القديمة، والتي تحولت إلى مناطق سياحية مع استمرارها كمناطق سكنية، لمن يرغب وللمثال وليس الحصر مناطق القاهرة القديمة والمدينة المسورة في باكو- اذربيجان وروما القديمة في ايطاليا، وباب توما في دمشق. بدأ شارع الرشيد والاحياء المتفرعة بفقد معالم عديدة في سنوات الحصار، وبرغم وجود قانون الاثار والتراث رقم (80) لسنة 1979 والذي نص على «الحفاظ على الآثار والتراث في جمهورية العراق باعتبارهما من اهم الثروات الوطنية»، بفقد بعض بيوته التراثية، بسبب عدم توفر موازنة تكفي لشراء البيوت التراثية من أصحابها، الذين أما قاموا ببيعها بتواطؤ مع من باع ضميره الوطني من مسؤولي امانة بغداد وموظفيها، أو تركوها بدون صيانة وأصبحت آيلة للسقوط، ليحصل مالكوها على سماح قانوني لهدمها! واستمرت ذريعة عدم توفر موازنة مالية تفسح المجال لتشويه هذه المنطقة المهمة في التاريخ العراقي بعد 2003. وليست في بغداد وحدها، في كركوك، مثلا، هدمت البيوت التراثية لتتحول إلى مواقف سيارات أو، مرة اخرى، إلى عمارات لا تمت بأية صلة إلى تاريخ المدينة وعمارتها في مناطقها القديمة. وقطعا هناك امثلة ايضا في جميع محافظات العراق.
ونشير إلى أن وزير الثقافة الراحل الدكتور عبد الامير الحمداني أصدر قرارا بالمحافظة على البيوت التراثية في عموم البلاد في شباط 2020، وقال في تصريح صحفي إنه تم تشكيل لجنة وزارية، ضمت ممثلين عن دوائر هيئة الاثار والتراث والعلاقات الثقافية العامة والقانونية، للنظر في موضوع البيوت التراثية في العاصمة والعائدة لوزارة الثقافة أو أمانة بغداد أو محافظة بغداد أو وزارة المالية، منوها إلى أنه «سيتم جرد البيوت أو القصور التراثية أولا لمعرفة الجهات الشاغلة لها وماهية هذا الاشغال ثانياً»، مؤكدا أن تأهيلها سيشكل واردا ماليا مهما للبلد. هل لا تزال اللجنة تقوم باعمالها وتنفذها كما بنبغي؟
وأعود إلى جامع السراجي الذي حاول مرضى الروح والضمير والصيادون في المياه العكرة باستغلاله طائفيا، ونجح الوعي العراقي الذي اصبح نابذا للطائفية بإسكاتهم، هل كانت وزارة الثقافة أو من يمثلها في محافظة البصرة تملك سلطة بايقاف ما سيجري؟ نفترض أن المباني الاثرية والتراثية التي تملكها الاوقاف كافة وليس الوقفين الشيعي والسني فقط، سواء كانت لوظائف مدنية أو دينية أن تكون تحت إشراف وزارة الثقافة والهيئة العامة للاثار والتراث، وتكون تحت رقابتها مع احتفاظ هذه الاوقاف بتشغيلها ومخولة بموظفيها واداراتها. اذ ليس من المنطق أن يتم هدم مئذنة عمرها ٣٠٠ سنة لتوسيع شارع بناء على طلب الأهالي للقضاء على الزحام! وأن الجامع كان متجاوزا على الشارع، الذي لم يكن موجودا حين بنائه! أن المسافر إلى خارج العراق، سيشاهد شجرة في منتصف شارع حيوي في مدينة مزدحمة جدا كاسطنبول، لأن عمر الشجرة اكثر من 100 سنة وقرأت في الاخبار ان السلطات البلدية في الشارقة قررت تغيير مسار شارع بسبب شجرة، نعم شجرة وليست مئذنة
تاريخية.
وقالت الوزارة في بيان نشرتها على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي بأنها «سنتخذ الإجراءات القانونية لحماية الأرث الحضاري الكبير ضد أي تجاوز إداري أو شخصي يشجّع ويعمل على إلحاق الضرر بشكل مقصود أو عفوي، خصوصاً حادثة هدم منارة جامع السراجي».. وأضاف البيان أن الهيئة العامة للآثار والتراث قدمت «عدة مقترحات للحفاظ عليها وتجزئتها ونقلها إلى داخل باحة المسجد»! نعرف مسبقا أن الإجراءات القانونية التي أشار اليها البيان لن تعيد هذه المئذنة التاريخية، كما لن يعيدها بناء جامع بالاسم نفسه وفي منطقة قريبة من موقعه الاصلي، لكننا نأمل ان تأخذ الوزارة دورها القانوني والطبيعي في الاشراف على جميع المباني الاثرية والتراثية مهما كانت عائديتها.