أ. د. هاشم حسن التميمي
أثير جدل واسع ومناقشات كثيرة حول حادث الاعتداء على ضابط المرور من سيدة متنمرة لشعورها بالانتماء لطبقة من حديثي النعمة يشعرون أنهم فوق البشر لا يشملهم قانون ولا تضبطهم أخلاق وسندهم نائب في البرلمان أو عضو مليشياوي أو ضابط كبير في الأجهزة الأمنية وتطول قائمة أصحاب الاستثناء وذيولهم من العشيقات في أرقى السيارات.
البعض من هذا الجدل ناقش الموضوع من زاوية موضوعية وتوصل لتفسيرات منطقية لهذه الظاهرة المنتشرة بصورة واسعة وأوعز ذلك للمال المنفلت والرفاهية المنتزعة من بطون الفقراء والمال العام المنهوب بالفساد والامتيازات غير المشروعة والحصانة الممنوحة للبعض وتمارس بتعسف في الشارع والأماكن العامة وتصل لدرجة أن نضرب القانون ولا أقول (ضابط) بالحذاء ويحدث العكس أيضاً أن يضرب الشرطي أو الضابط المواطن بالحذاء أو الهراوات تطبيقاً للقانون، والملفت في هذه الظاهرة ثقافة الحوار بالحذاء وهي تحتاج لتفسير فقد تزايدت بعد حادثة ضرب بوش وأصبحت وسيلة للمجد الوطني والشخصي والشهرة.
ومن الطبيعي أن تستغل هذه الحادثة من زعامات وجيوش الكترونية للتسقيط السياسي والاجتماعي لا سيما أننا على أعتاب انتخابات محلية وتوظف مقاطع الفيديو فنياً لأهداف بشعة من دون مراعاة للحقيقة ولشرف المنافسة والذوق العام والبعض من هذه الأفلام تصور بقصد وتستدرج الضحايا لهذا الكمين وبعضها توثيق سليم للحوادث يكون سنداً أمام القانون ووسيلة ضغط واقناع للرأي العام.
نعم كانت ردود الفعل كبيرة أغلبها استنكرت الحادث واستذكرت حوادث كثيرة وطالبت بسيادة القانون وتطبيقه على الجميع بصورة متساوية وعادلة لانهاء ظاهرة المواطن السوبرمان من الدرجة الأولى بامتيازاته وخروقاته.
ولعل من الإنصاف الإشارة لموقف لا أبالغ أو أجامل أن أصفه بالشجاع للسيد نوري المالكي رئيس كتلة القانون حين قرر فصل النائب من الكتلة ونتمنى طرده من مجلس النواب بقرار من المجلس نفسه ليكون عبرة للآخرين، ولولا القرار لاهتزت وتعرضت للسخرية والتسقيط كتلة دولة القانون، فالقرار جاء بالتوقيت المناسب فلا حصانة لإنسان يخرق القانون.
والغريب قرار مديرية المرور العامة التي تتعرض لاعتداءات بسبب شعور البعض بالتميز وتقوم باجراء مزاد لبيع الأرقام المميزة للمركبات لمنح طبقة المتنفذين وأصحاب السحت الحرام وسيلة للتباهي وتستكمل هذه الخطوة غير الصحيحة بالسماح بالتظليل لزجاج المركبات بحسب مستويات الدفع وهذه خطيئة حين تقارن بمنع وضع الستائر في باصات السفر للمحافظات والرحلات الخارجية وترك المواطن العادي يحترق بشمس تموز وآب اللهاب. والصحيح أن تحجب الأرقام الخاصة ويمنع تظليل المركبات بالمطلق ولعله من دواعي المساواة الدستورية والتواضع أن يتخلى أصحاب المعالي عن هذا الحق ويراهم الناس بدمهم ولحمهم وبدورهم يرون شعبهم بدون حجاب وجام مظلل مقاوم للرصاص. أليست هذه المساواة التي تحدث عنها الدستور..؟