التكييف القانوني للانتحار في القانون العراقي

العراق 2019/04/29
...

القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
لقد عرف الإنسان ظاهرة الانتحار منذ القدم فقد عرفتها قوانين ارنمو  و لبت عشتار واشنونا وشريعة حمورابي ولقد حرمت قواعد الشريعة الإسلامية الانتحار واعتبرت مجرد الشروع فيه معصية و الانتحار من المصطلحات التي اختلف فيها الكثير من الفقهاء و لكنهم عبروا عنه بقتل الانسان نفسه و قد نصت المادة (408) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على جريمة التحريض على الانتحار حيث نصت على : (يعاقب 
بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات من حرض شخصا او ساعده باي وسيلة على الانتحار اذا تم الانتحار و تكون العقوبة الحبس اذا لم يتم الانتحار )  ولكن شرع فيه ،فالركن المادي لجريمة التحريض على الانتحار يتكون من فعلين  اساسين هما  التحريض و المساعدة فالتحريض هو عبارة عن خلق فكرة الجريمة لدى الشخص و تدعيم هذه الفكرة كي تتحول الى تصميم على ارتكاب الجريمة بحيث يوحي الى الفاعل بارتكابها وبذلك يقوم التحريض حتى اذا اقتصر دور الجاني على تحبيب فكرة الانتحار لديه وتقوية عزمه وبث روح الشجاعة و الاقدام او بشد عزيمة المنتحر على الانتحار و يقوم التحريض بكل سلوك من شانه دفع المنتحر الى الفعل دون تحديد أسلوب معين او صيغة محدده و يقوم الانتحار على عنصر نفسي خالص اما
 الفعل الثاني فهو المساعدة و يقصد به تسهيل الانتحار و تقديم الوسائل التي تسهل تحقيقه و لذلك يمكن ان تكون وسيلة المساعدة معنوية 
كما لو اقتصر دور المساعد على النصح و الارشاد الى المنتحر عن كيفية استعمال المادة السامة  و كميتها او ان يقدم للمنتحر إرشادات و معلومات عن كيفية استخدام التيار الكهربائي في الانتحار و قد تكون وسيلة
 المساعدة مادية كما لوقام بتسليم البندقية الى المنتحر وقيام الجاني بفتح التيار الكهربائي على المنتحر  وان هذه الجريمة من الجرائم العمدية و يجب ان تتحقق النتيجة وهي الانتحار  أي
 ان يزهق الشخص روحه أي يجب ان يتم الانتحار بناء على ذلك و تكون العقوبة الحبس اذا لم يتم الانتحار وتطبق احكام الشروع المنصوص عليها في المادة (30) من قانون العقوبات العراقي و ان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل نص على ظرفين مشددين لجريمة التحريض على الانتحار في المادة 408/2 الأول اذا كان المجنى عليه المنتحر ناقص الادراك او  الإرادة كتحريض شخصا على الانتحار وهو حدث لم يبلغ الثامنة عشر من عمره  و الثاني اذا كان المنتحر فاقد الادراك او الإرادة اما لجنون او عاهة في العقل او بسبب كون الشخص في حالة تخدير نتجت عن مواد مسكره او مواد مخدره أعطيت له قسرا او على غير علم منه بها تعتبر جريمة التحريض على الانتحار من الجرائم العمدية ويتطلب لقيامها ان يكون الجاني قد اتى فعل التحريض او المساعدة على الانتحار قاصدا من وراء ذلك حمل المنتحر على الانتحار أي تكون إرادة الجاني قد انصرفت الى دفع الشخص الى الانتحار بازهاق روحه  ، ان المشرع العراقي لم يعاقب على فعل الانتحار او الشروع في الانتحار اذ لا  شروع في فعل مباح  كذلك لا  يتصور الاشتراك  وان معظم التشريعات الجنائية تذهب الى نفي الصفة الجرمية عن فعل الانتحار و الشروع فيه  و على الرغم من ذلك فان المشرع العراقي وضع نص خاص يجرم أفعال التحريض و المساعدة على الانتحار  ولغرض الوقاية من جريمة الانتحار نجد ان تتم معاقبة الجاني ( المتسبب او المحرض او المساعد )على هذه الجريمة مجرد قبول نشاطه الجرمي سواء تحققت الجريمة ام لم تتحقق لما لهذه الجريمة من خطورة إجرامية على الفرد و المجتمع  وان مع ازدياد حالات الانتحار في الآونة الاخيره  فلابد من دراسة ظاهرة الانتحار من النواحي القانونية و الاجتماعية و الدينية لان  جريمة الانتحار  لا تقل خطورة عن أي جريمة أخرى و هي من الجرائم الماسة بحياة الانسان و سلامته ولابد من
 ان تأخذ منظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني دورا مهما بوجه هذه الظاهرة الخطيرة و كذلك الحال بالنسبة للمؤسسات التربوية و الإعلامية ان تأخذ دورها في وقاية الشباب من الانحراف وان تبعد الشباب عن ارتكاب أفعال جرمية بحق انفسهم  وللاسرة دور كبير في معالجة الفرد المصاب بامراض نفسية و كذلك الحال بالنسبة للجانب
 الاقتصادي وفرص العمل للشباب والتخفيف من البطاله  سيما وان  انتشار ظاهرة الانتحار 
تنعكس سلبا على المجتمع وتهدد تماسكه  وبالتالي على اهم مقوماته المتمثل بالطاقة البشرية و في جميع مناحي الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و لا بد من الوقوف على الأسباب التي تقف وراء ازدياد حالات الانتحار  ومنها القلق و الكآبة و الخوف و الضغط النفسي و الإحباط و العنف الاسري 
و الجنسي.