لويز نيفيلسون .. صدمة المُهمل والجوهري

ثقافة 2023/08/05
...

 ابتهال بليبل

منحوتات لويز نيفيلسون، محاولة جادة وحقيقية - على الرغم من كونها ليست الأولى ولا الأخيرة- للبحث في بقايا (المهمل) عن (الفريد) و(الجوهري).. ففي كل قطعة تظهر للعلن ثمّة خطاب مركّب يصاحب هذا التمظهر، يقول إنّ في ما نراه مهملا هو (جوهريا) في ما لو أعيد برؤية جديدة للحياة وتحولت زاوية النظر له من نقطة إلى نقطة أخرى.
وسيتكاثف هذا الخطاب خاصة حينما يتعلق الأمر في حركتنا المعتادة وسط الفضاء المرئي، ومحاولة جعلها –أي الحركة- نقطة دالة تؤشر لأهمية مرورنا الواعي بين موجودات الفضاء الذي يحكم ويتحكّم بخبراتنا البصريّة.. فالمرور لعين الفنان مختلف وهو (محرض) لعين المتلقي لتكون مثله عينا رائية لا مبصرة فحسب.
وقد ظهرت في أجيال كثيرة منحوتات  لفنانين يستعملون  مواد مهملة ينتقونها أو ينتشلونها من الخراب، ومن ثم يعاد تدوريها بدورة حياة أخرى، لكن أعمال نيفيلسون التي استعملت  حطام الخشب المطلي باللون الأسود نجحت -بالنسبة لي على الأقل – في أن تقترح أزمة المناخ والحرائق.
الأزمة التي تترجم الصمت، الابتعاد.. وحتمية الأمر رغم الإدراك المتأخر لها، ولكن لنفترض أن الأوان لا يزال مطروحا وفي حيز الممكن.
إن التأثير المخيف للصناديق التي اشتهرت بنحتها لا ينفصل عن كونها حطاماً خشبياً، يمثل بشكل ما القيود، الأكثر ضيقاً حتى من الحياة، وأنه أيضاً الحرية في معنى الخلاص، إذ يفترض الضد ضده والنقيض نقيضه ويعالج  الفضاء المشحون بالكتلة البصريّة، فضاء آخر في عقل المتلقي يجب أن يمتلئ بكتلة من الأمل والتفاؤل واليقين، في أن تحوّل وتحويل الأحلام المحطمة إلى مستقبل خال من الوجع من ممكنات الفن والحياة في آن واحد.
إنّ لويز نيفيلسون التي اعتمدت على أساليب الكولاج لتجميع أشهر أعمالها من أجسام وأشياء مصنوعة من الخشب ركزت على بيئة الفرد وتأثيراتها على داخله، وخاصة في تلك العوارض الخشبية المحترقة، التي تعثر عليها في المصانع والمباني المهجورة وساحات البناء لتظهر للعالم أن “الفن موجود في كل مكان، إلا أنه يجب أن يمرّ عبر العقل».
كذلك فإن صور نيفيلسون وما ترتديه من فساتين ومعاطف وحلي وقبعات وما تضعه على ملامحها من ماكياج ورموش في عيونها، تجعلني  أفكّر أيضاً في فكرة تجاهل العمر، ذلك العمر الذي إذا ما ركزنا عليه وشعرنا بعبوره فأنه لن يكون لدينا ما نقدمه.
والملفت في أعمال لويز هو اللون الأسود الذي يتكرَّر في غالبية اشتغالاتها، وكأنه الأساس التي دافعت عن حضوره بأشكال مختلفة، فقد عرف عنها بأنها تعشق السواد في بيتها وأرضيته وجدرانه وحتى طاولاتها وغيرها من قطع الأثاث.
في أعمالها سنلاحظ أيضاً ثيمة الباب، بل ثنائية الخروج والدخول من (هنا) إلى (هناك)، حيث المكان هو الحيز الآسر، الذي يجب أن نعتني به، وأن نبحث في التفاصيل الكثيرة التي تحرص عليها في العمل للبحث عن شيء ما هو (مفتاح) هذه الأبواب المفترضة، لنجده في جزئية ما قد تكون خافية عن العيون كلها، ولكنها ستتضح حينما ندرك أن المجسّد أمامنا هو الماضي والحاضر في آن واحد، لذا قد نستعين بالأحلام للرجوع نحو حلم ما.