طالب عبد العزيز
إنَّه ثقْبٌ ليسَ إلّا
عليكَ أنْ تجدَ لي مكاناً آمناً للسقوط
أنا حجارةُ الرَّب..
يصطفي مَنْ هذا الطائرُ الذي يعْبرني الى قفصه؟
كنتُ قد "أجلستُه طويلاً على ركبتي" *
لكنَّه نهضَ غاضباً..
الموتُ الذي لم يجدْ في أنفاسيَ مبتغاه.
أنتَ ما تُنشِئُه في العاصفة،
لا ما تحمله على ظهرك في الليل.
أنتَ ما تجهلُه، لا ما تُحدّثني عنه
أنت ما تقذِفه بوجهي من الشتائم
لا ما أتسلّمهُ منك من الهِبات.
آخذٌ عنك فضلةَ الهواءِ التي تغطّي وجهك
لأنَّك ما تُضْمرُه، ولأنني ما أظهرُه
من بينِ يديكَ أرفعُ قنديلَ الرَّب
ما تأمتله طويلاً، هو ما لم تأنسْ به
ما يبتعدُ عنك هو أنت
لا ما يتقرّب اليكَ، الذي هو أنا..
لأنني ما تتوسلُه، لا ما تتمناه وترغب عنه
ما تاخذه الى الحلم هو أنت
لا ما تتأمله في النافذة..
الطائرُ الذي تبحثُ عنه نزلَ من القاشان أمس
لأنك ما تبدده في المقهى لا ما تحمله في الحقيبة..
أنت ما تعاني منه الى الابد
لا ما تُفرغه في المغسلة آخر الليل
أنت حشد الاسئلة، لا ما يتعطّلُ في الاجابة
لأنَّك المكانُ الذي تغادرُه.
إنِّه ثقبٌ ليسَ إلّا، هذا الذي تقاتلُ من أجله
إنَّه ثقبٌ ليسَ إلّا، ذلك الذي تذهبُ اليه.
* بيت آرثور رامبو بتصرف
قبلَ أنْ..
كان عليَّ أنْ أرفعَ عن كلسونِك لوناً آخرَ
الوردُ الكثيرُ يجعلُ الحديقةَ متاحةً
كان عليَّ أنْ أصطحبكِ الى فردوس مولانا الرُّوميّ
أنْ آخذكِ الى حماقاتِ أبي نؤاس
لا أنْ تظلّي رهينةَ كتبَ النُّحاة في البصرة والكوفة
قبل أنْ التق بك كان البلاشفةَ في سان بطرسبورغ
قبل أنْ أهتدي لآخرِ زرٍّ في قميصك
كان نزار قباني سفيراً في لندن، ما يزال
قبل أن يتحرك القطارُ بنا الى طهران
كنّا قد ختمنا فروغ فرخزاد و"تحريرَ الوسيلة"
وقبل أنْ أشمَّ عِرّقَ الفِراق في عنقِك
كان سعدي يوسف قد نثر رمادَه في التايمز
قبل أنْ أحملَ عنّكِ ردفيكِ الى السَّرير
سقط "الصخبُ والعنفُ" من يدِك.
كانت "أخماتوفا" قد فارقت الحياة.
المفتاحُ في الليل
لا أعرفُ متى كنتُ من الليل ؟
حين عثرتُ على مفتاحٍ في زجاجة
كان قطعةَ معدنٍ مسننةً،
وبفضول، ليس إلّا، فقد اِستعملتُه
على أقفالِ الغُرفِ كلِّها..
لكنَّه ظلَّ صامتاً، مغلقاً على نفْسِه !
لم أعرْه عنايةً مبالَغةً.. في البدء،
قلتُ: هو مما يُهمله البعضُ بمغادرتهم
لكنَّ المفتاحَ أقلقني ليلةَ البارحة
فقد سمعته يدورُ في قفلٍ بأحد الأبواب
كانت أبوابُ ونوافذُ البيت مغلقةً
مررتُ بها واحداً واحداً..
ليس الظلامُ في الحديقة ما يخيفني
فقد كان بابُها مغلقاً أيضاً
والاشجارُ نائمةً، مشدودةً الى بعضِها،
لا تلوي أعناقَها نسائمُ قبيلَ الفجر.
وتختصمُ على أغصانها آواخرُ النجوم.
إذا كانت المفاتيحُ بيتَ الطُمانينة
أتكونُ الاقفالُ بابَ الفزعِ : قلتُ ؟
وماذا لو جاء أحدُهم بقفلٍ وأدارَهُ بالمفتاح هذا ؟
هلْ سأكونُ آمناً على رقبتي
التي تقدَّمَ الذُّبولُ بها غير قليل
على فضلة الدنانير، تحت الوسادة
وعلى أساور زوجتي الثلاث
التي فقدتْ إحداها العامَ الماضي ؟