د.عبد الخالق حسن
منذ مطلع القرن الحالي، كان واضحاً أن الصراع الدولي كان يتجه نحو وجود اقطاب متعددة، بدلاً من القطب الواحد الذي مثلته الولايات المتحدة خلال عشر سنوات من تاريخ دخولها إلى أفغانستان، بالتحديد من سنة 1991، حين انهار الاتحاد السوفيتي.
خلال العقد الأخير من القرن العشرين، تعددت حروب الولايات المتحدة، بالاشتراك مع حلفائها في الناتو، فمن حرب الخليج الثانية، ثم بعدها حرب الصومال، وحروب البلقان، لتفتتح الولايات المتحدة وحلفاؤها القرن الحادي والعشرين بحربين، الأولى كانت في أفغانستان، وبعدها حرب اسقاط النظام الدكتاتوري في العراق.
لم يشك أحد في أن الولايات المتحدة أصبحت هي المتحكم الأساسي في السياسات العالمية حينها. ومع انشغالها بالحروب، كانت هناك أقطاب مهمة تتصاعد، بدءاً من الصين، ثم روسيا، وبعدها تشكيل اتحاد دول بريكست. لكن هذا لايعني أن الولايات المتحدة كانت غافلة أو لا تعلم بما يدور حولها. ولعلِّي أطرح هنا رأياً مخالفاً للسياقات الطبيعية، وهو أن الولايات المتحدة كانت تعمل على تغذية صعود الأقطاب المناوئة لها، حتى تتخلص من عبء تسيدها للعالم بوصفها القطب الأوحد، لأن هذا التسيد جعلها تتحمل تكاليف باهظة، تسببت مثلاً في 2008 بانهيار سوق العقارات، لتختمها بأزمة الدين العام الذي وصل معدلات قياسية ناهزت 30 ترليون دولار. لهذا، فإن تصعيد قطب أو أقطاب متعددة، أو في الأقل السماح لهذه الأقطاب بالصعود، سيجعل الولايات المتحدة قادرة على استنفار حلفائها التقليديين في أوروبا لمواجهة الأخطار المحتملة من صعود الأقطاب الجديدة، وهو ما يمكن أن نستدل عليه بما يحصل اليوم في أوكرانيا، حين دفعت الولايات المتحدة أوكرانيا لتستفز روسيا بقضية الانضمام إلى حلف الناتو، لتتحرك روسيا عسكرياً، وهو ما استدعى تدخلاً من الناتو في هذه الحرب المستمرة بلا نهاية في الأفق القريب. لذلك، فإن الولايات المتحدة استطاعت أن تجعل أوروبا كلها تتحمل معها أعباء وتكاليف مواجهة روسيا، وهي هنا تكون قد ضربت عصفورين بحجر، فمن ناحية عملت على تعطيل واستنزاف روسيا، ومن ناحية أخرى، دخلت أوروبا في هذه الحرب المكلفة، وهو أمر في صالح الولايات المتحدة، طبقاً للعقيدة الأميركية التي ترى أن دول أوروبا معرضة للتقسيم مستقبلاً، بسبب القوميات والاثنيات المتعددة. لكنها، أي الولايات المتحدة، تفرغت تماماً لمواجهة الصين التي تراها التهديد المستقبلي الأكثر خطورة عليها.
والذي تعمل عليه الولايات المتحدة اليوم هو استدراج الصين للمواجهة على أرض تايوان، لأنها تعلم أن هذه ستكون الذريعة الأفضل لها في تجميع الحلفاء من حولها، مثلما حصل في حرب أوكرانيا.