عصام كاظم جري
ليس منة، وإنما من مسؤولية الحكومات تضع أمام المواطنين الحقيقة كاملةَ وتكشفها بشفافية دون تسْويف أو مماطلة أو تباطؤ بغية إنقاذ الجميع من شبح سيادة الفوضى، والتصادم الداخلي والصراع المزمن، والفساد الإداري والمالي الذي يستشري بالجسد، وينتشر كالمرض الخبيث. واستذكر هنا قول الكاتب الأمريكي وليام ألكوت: (كل شيء في شخصية الإنسان ينهار، في ظل حكم التَّسْويف، بينما يعطي الفعل الفوري لكل الأشياءِ حياة وطاقة متطابقة ومُتناسبة). لزاما أن تقف الحكومات بوجه أيِّ خطر مقبل، يهدد مستقبل أبنائها، وتواجه جميع الجهات التي تحاول الدفع لإغراق المساحات بالدماء والصراع الأهلي والإقليمي والفساد المالي.وجاء في قول المفكر الإسلاميّ المصري محمد الغزالي: (التَّسْويف خدعة النفس العاجزة والهمة القاعدة).
لقد بات جليا أن كل جهة تسعى لتعزيز تقاطعاتها وصراعاتها الفئويّة بأفعال شتى، وقد مدتْ تلك الجهات يدَ الوعيد والرعب والإرهاب لأمن المواطن ومستقبله، ويتجدد هذا الفعل مع كل حكومة تتسنم زمام الأمر. لقد خلّفت هذه التقاطع والصراع تراكمات ثقيلة من الفساد المنظم وسوء الإدارة وغياب التخطيط ومشكلات اقتصاديّة واجتماعيّة وعلميّة وثقافيّة هائلة، لا أحد يستطيع أن ينكرها. لذا كفى من الشعارات الفضفاضة التى تمني النفس بانتخابات حرة ونزيهة وعادلة، وتنتج مجلساً للمحافظات يمثل إرادة الشعب وتطلعاته! كفى من التَّسْويف بتشكيل لجان مختصة لتذليل العقبات أمام المواطنين! كفى من مواجهة الأزمة الاقتصاديّة المتفاقمة بالشعارات! لا بدّ من العمل جديّا في بناء منظومة إصلاح شاملة شأنها إعادة إحياء الاقتصاد العراقيّ، وحلّ الأزمات الماليّة والعودة إلى الانتعاش الاقتصاديّ.
إن أغلب هذه التصريحات حبر على ورق وتسويف لا جدوى منه! والحقيقة لن يغفل عنها المواطن العراقي أينما
كان. كفى من وعود تفعيل الإنتاج الزراعيّ والصناعيّ، وإدخال مشاريع لمعالجة أزمة شبابنا العاطل عن العمل، وإنعاش السوق ووضع الاقتصاد العراقيّ على السكة الصحيحة، كفى من إيهام المواطن بالسيطرة وإيقاف الهدر والاستغلال للمال العام، كفى من إعادة مصطلح استعادة هيبة الدولة، وتمكين الدولة من فرض سياستها وقوانينها. أكثر من عقدين ونحن نسمع بهيبة الدولة، لهذا يبقى المواطن يسأل، ما مدى صحة الحملة على المنافذ الحدوديّة لبسط نفوذ الدولة، وتفعيل إجراءات الجمارك والضرائب، ومامدى صحة تطهير مؤسسات الدولة من الداخل لمنع الفساد، وهل جرّدت الحكومة النافذين في ملفات الفساد من أدوات قوتهم بالهيمنة على مؤسسات البلد الرسمية وغير الرسمية؟
نحن على يقين بأن أغلب الحلول الاقتصاديّة ترقيعيّة واستعراضيّة يراد تمريرها بشتى أنواع الطرق.
لغاية الآن لم ير المواطن العراقي أي خطوة صائبة في إخضاع السراق للعدالة سوى التَّسويف. فما مصير المشاريع المعطلة، وهل وصلت الحكومة إلى حلّ جذري شامل مع المُعطلين، هل استطاعت أن ترفع دعاوى قضائيّة ضد كل من عبث بأموال العراق وارتشى لإبقاء عجلة العمل متوقفة؟ ما معنى هذا السكوت في مواجهة عبث الجماعات الخارجة عن القانون والجريمة المنظمة وفوضى السلاح؟ وفي النهاية أذهب إلى ما ذهب إليه “روي بينيت” الناشط الأفريقي في حركة التغيير الديمقراطي:(لا تدع التَّسْويف يسيطر على حياتك كن شجاعا وجازف. حياتك تحدث الآن ).