جواد علي كسار

بشعور امتزج فيه السرور بالمرارة استلمتُ كتاب: «الحركات السلفية في العراق وفصائلها المسلّحة» للباحث والمؤرّخ الراحل صلاح الخرسان. فعندما زوّدني نجله الشاب المهذّب حسين نسخة من الكتاب، أخبرني أن أيام والده في الحياة لم تمهله لكي يرى ثمرة جهده فيه، فقد توفي والكتاب في طور الطباعة؛ وهذه هي المرارة بعينها، حين يُحرم المؤلف من رؤية ثمرة أتعابه في بحث أمضى فيه شهوراً وربما سنوات.
أمضيتُ مع الكتاب الضخم (831 صفحة من الحجم الكبير) ساعات في القراءة والمراجعة على مدار ليالٍ وأيام، فكان كما عهدتُ صاحبه في مؤلفاته كلها، مؤرّخاً بالمعنى المنهجي العلمي، متمكناً من منهج البحث التأريخي، تدور أدواته بين يديه بطواعية ومهارة، ما جعل الكتاب إضافة نوعية في مضماره، إن لم يكن تأسيساً فريداً، بالعدد الهائل من الوثائق والمعلومات والنصوص (ص: 323ـ 819) التي احتواها، ما أضفى على تحليله تميّزاً واضحاً، وهو يستعرض هذه الحركات في جذورها وتأريخها وحواضنها، قبل أن ينتقل إلى تنظيماتها وقياداتها وفكرها ومواقفها؛ وهذه الخصائص وغيرها هي مبعث سروري بالكتاب.
حدثني حسين عن رغبة العائلة أن يُطلق اسم صلاح الخرسان على شارع أو صالة جامعية. وهذه وأمثالها أمور مهمّة في بُعد من أبعاد التكريم، وهي سمة المجتمعات الحيّة التي تحفظ منجزات رجالها، لكن المهمّ من وجهة مجتمع المعرفة، هو الإحياء أو التكريم المعرفي، وهو يتم عندي من خلال خطوات يأتي في الطليعة منها:
1 - إصدار كتاب عن حياة الخرسان ومنهجه في البحث التأريخي، يشارك فيه بالإضافة إلى أسرته، أصدقاؤه والعارفون بكتبه ومؤلفاته، ويُنتدب إليه عدد من المختصين بالبحث التأريخي؛ يجمع بين المحاورات والكتابة المباشرة.
2ـ لكن المهمّ عندي هو الحرص على جمع أوراقه وما تركه من دفاتر ورسائل ورؤى وملاحظات وخواطر وأشرطة مسجّلة، إذ هي بمجموعها بمنزلة العقل الباطني المكتوم لدى المؤلف والباحث، تعطينا فرصاً لفهم أفضل ليس فقط لمؤلفاته، بل لمجمل آرائه ونظامه الفكري، وهي لدى الخرسان كثيرة ومتوافرة كما علمتُ.
3ـ إصدار المجموعة الكاملة لمؤلفاته وفي طليعتها الكتاب الخاص بحياته، ثمّ أوراقه الخاصة، وبعد ذلك بقية المؤلفات.
4ـ عندما تجهز المجموعة الكاملة بهذه الصفات، ستوفر مادّتها فرصاً ممتازة ليس فقط للباحثين، بل تفتح أمام طلاب الدراسات العليا باباً، لكي يغطوا بعدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ما يرتبط بمنهج المؤلف ومادته.
لا يقتصر هذا النمط من الإحياء على صلاح الخرسان وحده، بل بين يدي لمن يطلب؛ قائمة بمائة من الأسماء، يستحقون الاحتفاء بهم بمثل هذا التكريم.