حسب الله يحيى
بات شارع المتنبي في بغداد، احد اهم المعالم الثقافية والسياحية والاجتماعية،وملتقى المثقفين من بغداد والمحافظات فضلا عن القادمين من بلاد الغربة. شارع المتنبي،تحول من شارع لبيع القرطاسية والكتب المدرسية، إلى اهم شارع لبيع وشراء أحدث وأقدم وانفس الكتب العربية والاجنبية. وأصبح صباح الجمعة، هو اليوم الأثير لباعة الكتب وعشاقها، واستعراضا للعوائل التي تنشد الرقي والجمال.
وقد تعرض هذا الشارع إلى سلسلة من الهجمات الارهابية واستشهاد عدد كبير من الرواد والعاملين في هذا الشارع.
كما تنبهت جهات رسمية ومدنية إلى ايلاء الشارع الاهمية القصوى.. فعمدت إلى ترميم مبانيه ومكتباته وتحويله إلى شارع يتمتع بكثير من الجمالية، واتسع هذا السوق ليشمل مبنى القشلة ومبنى المحافظة السابق. وبات مكانا لعقد الندوات واقامة الفعاليات الفنية والمحاظرات الثقافية واحياء المناسبات الوطنية.
كما توسعت رقعته زمانا ومكانا، وصارت نهاراته تتواصل مع لياليه، وهذا ما لم يكن قائما من قبل.
مع كل هذا البهاء التي يتمتع به شارع المتنبي، ومع كل الحضور الاجتماعي الباهر فيه؛ إلا أنه بات شارعا يضيق بالناس، لعدم وجود أماكن تتسع لراحتهم بعد عناء التجوال فيه.
غير أن الاهم من ذلك كله، يثير الكثير من الجدل والانتباه، ذلك أن اتساعه وسع من عرض شتى أنواع الكتب والمطبوعات، وبات يعاني في الوقت نفسه من شح اقتناء الكتب، حتى أن قسما من العاملين فيه، لا يعولون على عيشهم من خلاله، كما أن بعض دور النشر المنتشرة في هذا الشارع لم تتمكن من سداد إيجار المبنى الذي تشغله.
ذلك أن الكثرة من رواد شارع المتنبي، باتوا يقصدونه للنزهة واللقاءات العابرة واستعراض الازياء والاكسسوارات، وحتى التسوق والتبضع من الباعة الجوالين، الذين يشغلون أماكن كبيرة من مساحة الشارع.
إن اللافت في هذا الشارع، هو أن الإقبال على الكتب باتت قليلة، فقسم من القراء النهمين الذين يحسنون استخدام الحاسبة، أخذوا يقرؤون أحدث الكتب الكترونيا، وبالتالي عزفوا عن اقتناء الكتب الورقية، كما باتت القواميس والمراجع الضخمة والموسوعات الميسرة عرضة للكساد، بسبب دخول نظام كوكل لحل كافة الاسئلة.
في حين كان قسم كبير من الادباء والفنانين والمثقفين لهم شغف كبير باقتناء الكتاب الورقي بوصفه يحمل روحا حية، يمكن التعامل معها والتفاعل وكتابة الملاحظات على جوانبها.
الأهم من ذلك كله أن عددا من المولعين والقراء الجادين، باتوا يتطلعون إلى قراءة كتب بعينها، والذين كانوا يتحسرون ويمنون أنفسهم بالحصول عليها.. وقد باتت متوفرة وبعدة طبعات وعدة ترجمات، إلا أنها باهظة الثمن، وليس من الميسور على جيل الرواد من الأدباء والعلماء والمثقفين القدرة على اقتنائها، إلا تحت ضغط اللهفة للقراءة التي حرموا منها سنوات طويلة، يوم كانت هناك رقابة صارمة على الكتاب بوصفه اداة وعي، يخشى من تأثيرها.
الآن كل الكتب متوفرة، إلا أن الأمر محفوف بشيخوخة القراء وعدم قدرتهم على قراءة الكتب المطبوعة بحروف صغيرة جدا، إلى جانب اسعارها العالية، التي تثقل على جيوب المتقاعدين - وهم القراء الحقيقيون- من الحصول عليها، إلا بعد ضغوط نفسية وولع ورغبة ملحة للاقتناء، الذي يؤثر في جيوب هي في الأساس مفلسة، وفي موقع حرج يتعلق بشراء مستلزمات الحياة اليومية، وهم يعدون الكتاب هو الضرورة التي قد تتجاوز تلك المستلزمات المعيشية.
هذا حال كثرة من المثقفين، وهم يواجهون ازماتهم مع الكتاب.. في وقت يعانون من ضائقة اليد على العيش بالحد الادنى، أمام كتاب يغذي العقل، ويملأ الروح بالانشراح والراحة والابتهاج.
نعم.. لا فاصل بين قوة وتأثير قوة الجسد، وقوة العقل واشعاعاته النيرة، فكلاهما خبز الحياة ونورها.