سوق العقار تستغيث

آراء 2023/08/06
...







 ميساء الهلالي


أخبرتني العصفورة يوما أنها تشاهد وبشكل يومي توافد غير مسبوق من قبل ذوي السيارات المظللة ذات الدفع الرباعي إلى مكاتب العقار.. ينزل المساعد وهو يحمل كيسا أسود أو حقيبة دبلوماسية من ذوات الحجم الكبير.. يدخل أحدهم مكتب العقار، ويخرج بلا كيس أو بحقيبة فارغة وعقد شراء.

انتعشت المناطق التي كانت تصنف بالمستوى العادي بعد وصول ذوي الأموال إليها، فبات تجار العقار يصدحون بأصواتهم التي تدل على صعود ملفت ومجنون في سوق العقار.. فالمتر المربع الواحد في بغداد أصبح يضاهي أو أغلى من المتر المربع في دبي أو نيويورك.. ربما أصبح من السهل على العراقي أن يمتلك بيتا في إحدى الدول العربية أو حتى الأجنبية على أن يمتلك بضعة أمتار في بغداد..فرغم تردي البنى التحتية وفظاعة الازدحامات المرورية، لا تزال أسعار العقار تشهد صعودا ملتهبا لا تطفئه المياه ولا حتى اكتفاء أصحاب الأموال، لأنهم بواقع الحال لا يكتفون.. ويصرخون دوما هل من مزيد.. لأن هناك مثلا مصريا نعرفه تمام المعرفة (المال السايب يعلم السرقة)، وبغض النظر عن مصدر الأموال التي يستثمرها ذوو الكروش المتخمة في شراء العقار، فلا بد ان نعترف بأن السيطرة على سوق العقار بات في عداد المستحيلات.. فالموظف البسيط ربما يحتاج إلى مئة سنة ضوئية ليتمكن من امتلاك مئة متر في بغداد، لذا فقد رضخ ذوو الدخل المحدود للحلول المتاحة بتملك البيوت في الأراضي الزراعية أو في أحسن الأحوال يسعى بعضهم للحصول على قرض عقاري وشراء شقة في مجمع من المجمعات السكنية ذات الاستثمارات الجديدة التي غزت بغداد.. فرغم جمال التمدن وروعة شكل العمارات التي بدأت بالنهوض من قعر الأرض نحو السماء في ظرف أشهر معدودة كأنها قطع ميكانو يتم تركيبها بقدرة قادر.. ولكنها وبعد عدد من السنوات ستكون حملا ثقيلا على أصحاب الدور السكنية في الأحياء السكنية الاعتيادية، إذ غاب التخطيط التام عند بناء المجمعات السكنية وستكون أشبه بعبوة ناسفة لكل الخدمات المتاحة للمواطنين..فكل مجمع سكني يبنى اليوم في أي منطقة سكنية سيشاطر أهالي المنطقة في واقع الخدمات، وبالتأكيد يحصل على خدمات مثالية كونه استثمارا لرؤوس أموال مخفية، وبالتالي سيشهد أهالي المناطق تلك انحسارا في الخدمات المقدمة تفوق الانحسار الحالي من حيث نقص خدمات الكهرباء والماء والمجاري وحتى 

الطرق.

رغم الإنفجار العمراني، الذي تشهده بغداد وحتى المحافظات لا بد من وقفة جدية وفعلية حكومية صادقة لإيقاف تدفق رؤوس الأموال في تلك الإستثمارات، وإنقاذ سوق العقار من هذا الصعود غير المبرر في أسعار العقارات وتمويع المشاريع التي تخدم المواطن ظاهريا، بصفتها تقضي على أزمة السكن، ولكنها في واقع الحال تكون مضرة من ناحية نقص الخدمات، وارتفاع قيمة العقار.. المواطن العراقي ما زال ينتظر الحلول.