عبدالله حميد العتابي
مرَّ علينا قبل ايام حدث تاريخي مشؤوم ما زال عالقا في الذاكرة العراقية الجمعية، تمثلت تلك الذكرى بتولي صدام حسين سدة الحكم في بلادنا في 16 تموز 1979، ومنذ ذلك اليوم والعراقيون يعيشون نكبات لا تحصى ولا تعد، ولم يقتصر الامر على العراقيين فحسب، بل اكتوى بعض الجيران بلهيب صدام وإيذائه.
والذي لفت نظري إلى تلك الذكرى الصحفي الاستقصائي رياض محمد، وهو يشير إلى وثيقة أميركية سرية صادرة في 17 تموز 1979، تتحدث عن تولي صدام رئاسة العراق؛ وقد قادني الفضول إلى ترجمة تلك الوثيقة، مثلما ترجمت العشرات من وثائق الخارجية الأميركية والمخابرات الأميركية، والتي كنت أحاول من خلالها ربط صدام بالأميركيين، وعلى الرغم من أنني لم اعثر لغاية اليوم على ما أصبو إليه؛ لكنني أرى في هذه الوثيقة قراءات مدهشة لمستقبل صدام، لا أستبعد أن الأميركيين خططوا لها وساهموا في نسج أحداثها.
تنبأت الوثيقة أن صدام سيحكم لمدة طويلة، وهذا ما حدث، فالرجل حكم العراق لمدة 24 عاما، ولربما كان سيبقى مدة- أطول لولا الاحتلال الأميركي، وسقوط الصنم في 9 نيسان 2003.
توقفت الوثيقة عند أبرز التحديات التي سيواجهها صدام، وأشرت إلى أن المؤسسة العسكرية ستتحدى صدام، إذ أنه مدني ووزير دفاعه عدنان خير الله طلفاح، كان إلى وقت قريب برتبة مقدم فقط، وتساءلت الوثيقة إذا كانت السنوات القادمة ستكشف إن كان الجيش سيستمر بالولاء إلى صدام.
كان من الواضح أن المسار الذي اختطه صدام لنفسه في التعامل مع الجيش، هو الاجتثاث المستمر لضباطه من غير الموالين له، ولم يتأخر صدام في تدبير حادث سقوط طائرة هليكوبتر لقتل وزيره وابن خاله في 4 مايس 1989 لمجرد أن استشعر أن شعبية عدنان بدأت تطغى على صدام.
قضية أخرى أثارتها الوثيقة هي التكارتة، فقد تنبأت بأن السنوات القادمة سيكون حكما تكريتيا، إلا أن المفارقة أن صدام حول حكمه عائليا ومنح أفراد عائلته أخطر وأهم المناصب؛ فأشقاؤه: برزان مديرا لجهاز المخابرات، وطبان وزيرا للداخلية، سبعاوي مديرا للأمن العام.
أما أبناؤه، عدي: رئيس فدائيي صدام، ورئيس اللجنة الاولمبية الوطنية العراقية، قصي قائد الحرس الجمهوري وجهاز الامن الخاص ومشرف على مجلس الأمن الوطني، الذي يضم وزيري الدفاع والداخلية ورؤساء الأجهزة الأمنية والاستخبارية.
والقائمة تطول على أبناء عمومته: حسين كامل، علي حسن المجيد، عبد حمود، ارشد ياسين، كامل ياسين، صدام كامل، وروكان عبدالغفور وأسماء أخرى لا تحضرني من آل المجيد؛ تؤكد الوثيقة أن التكارتة تمتعوا بخبرة لا بأس فيها في السلطة، الأمر الذي سيساعد صدام في حكم العراق.
وفي الوقت نفسه، تساءلت الوثيقة هل أن صدام قادرٌ على حل المشكلات الجدية، التي يعاني منها المجتمع العراقي، لا سيما التمرد الكردي، الامتعاض الشيعي، احتدام الأزمة مع الشيوعيين.
خلاصة قراءتي لتلك الوثيقة وعشرات الوثائق الأخرى، سعى صدام للتقرب من الولايات المتحدة، إلا أن خشيته من الذين يرفعون الشعارات الثورية الفارغة والمتاجرة بقضية فلسطين سبب في الابتعاد العلني من صدام للتقارب من الولايات المتحدة؛ ومن المؤكد أن حربه العبثية مع ايران، واجتياحه الكويت كان أعظم خدمة يقدمها عميل لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.