د. عبد الواحد مشعل
ولادة اي علم لابد من توفر شرطين أساسيين على قيامه، واكتسابه الصفة الاستقلالية عن أم العلوم الفلسفة، فالشرط الأول هو النظرية والمنهج، وهو ما يطلق عليه قلب العلم أو مركزه، اما الشرط الثاني هو التخصصات أو الفروع التطبيقية له، وهو ما يطبق عليه أطراف العلم، وقد نالت العلوم شرعيتها الاكاديمية والعلمية، بتلازم هذين الشرطين وظهورهما بصفتهما ضرورة علمية في دراسة أي ظاهرة، سواء كانت في نطاق العلوم الطبيعية أو في العلوم الإنسانية والاجتماعية، اما على نطاق العلم فلابد من تلازم النظرية والمنهج لدراسة اي ظاهرة يشرع الباحث بدراستها، وهذا الارتباط يظهر في الدراسات الانثروبولوجية، فاذا وظفنا النظرية التطورية، لا بد من توظيف المنهج التطوري، وإذا وظفنا النظرية الوظيفية، فلا بد من استخدام المنهج الوظيفي، وإذا وظفنا النظرية البنيوية، فلا بد من توظيف المنهج البنيوية، حتى ذهب البعض إلى القول إن المنهج يحمل في الطرف الثاني منه النظرية التي توظف ظاهرة ما، ونفهم من ذلك أن النظرية والمنهج في الدراسات الانثروبولوجية، هما المقدمة التي نصل بها إلى العمل الميداني والتطبيقي، هكذا فعل لويس مورجان ومكلينان حينما درسا تطور المجتمع الانساني كخط ارتقائي، تم استخدام منهج القانون المقارن للمقارنة بين المجتمعات الأوروبية (في القرن التاسع عشر حيث ظهرت النظرية التطورية آنذاك)، والمجتمعات البدائية التي بدأت الدراسات الانثروبولوجية الكلاسيكية الاهتمام بها ابان حملات الاستعمار الغربي في افريقيا وآسيا وغيرهما، اذ حسب منطوق النظرية أن تستخدم المنهج القانون المنهج التاريخي المقارن عليها، أن تتبع الطريق أو المنهج نفسه للوصول إلى حيث تطورت المجتمعات الأوروبية في ظروفها ابان القرن التاسع عشر، وكذلك الحال حينما ظهرت النظريَّة البنائية الوظيفية على رادكليف براون ويفانز برتشارد ومالينوفسكي، اذ وظف المنهج البنائي الوظيفي في دراسة العائلة القرابة وانساق السياسي والاقتصادي والديني والضبط الاجتماعي وغيرها على اعتبارها تمثل أجزاء البناء الاجتماعي، اذ يكون لكل نسق بناء ووظيفة، وكذلك عندما جاءت النظرية البنيوية على يد ليفي شتراوس تمَّ استخدام المنهج البنيوي، إذ إن المعنى والرمز يفهمان من السياق العام للنص أو من البنية، فكان المنهج البنوي ملائما للنظرية البنيوية، ونصل من ذلك إلى نتيجة أن النظرية والمنهج متلازمان من أجل الوصول إلى المجال التطبيقي.
وهكذا بقية النظريات الانثروبولوجية الاخرى.
كما يرافق المنهج الوصفي الدراسات الانثروبولوجية على طول الخط، اذ يعد هذا المنهج واحداً من أهم المناهج المستخدمة في الدراسات الاثنروبولوجية، والذي يعني تحديد طبيعة الظروف والممارسات والاتجاهات السائدة في البحث عن أوصاف دقيقة للأنشطة والأشياء والعمليات الاجتماعية والأشخاص في زمن الدراسة الميدانية تحديدا، وفي المرحلة الحالية التي يمر بها المجتمع العراقي يتطلب من الدارسين الانثروبولوجيين والجامعات التي يتواجد فيها هذا الاختصاص بدراسة الظواهر الاجتماعية الظاهرة في المجتمع، لاسيما تلك الظواهر في قاع المجتمع، سواء في المدينة أم الريف، فالباحث الانثروبولوجي هو الباحث الذي يستطيع الكشف عن الظاهرة والمشكلة التي يعاني منها الانسان سواء في شبكة علاقاته الأسرية والاجتماعية، وفهم المتغيرات المؤثرة في انتشار الظواهر السلبية، كتعاطي المخدرات وتفكك نسيج العلاقات الاسرية والاجتماعية، وتراجع القيم الاجتماعية الساندة للإنسان وغيرها من المشكلات، التي تعصف بحياة الانسان العراقي اليوم، للتوصل إلى نتائج موضوعية وحقيقية، يقدم على أساسها التوصيات التي تساعد على معالجة مشكلات المجتمع، وتمكينه من اعادة دوره التنموي
والانساني.