التزوير الجميل للتاريخ في فيلم {المرأة الملك}

ثقافة 2023/08/07
...

  باسم سليمان
يطرح فيلم "المرأة الملك"  (The woman king)على المشاهد سؤالًا، لم يكن من ضمن أجندة صنّاع الفيلم، عن خطورة تزوير التاريخ من أجل طرح قضايا إنسانية، لكن قبلاً، لنطلع على الفيلم الذي تدور أحداثه حول محاربات "أغوجي" التابعات للمملكة داهومي وقائدتهن الجنرال نانيسكا (فيولا ديفيس الحائزة على جائزة الأوسكار ومنتجة الفيلم).

تشكّلت مملكة داهومي بين أعوام 1625 إلى1894 في عزّ تجارة الرقيق في أفريقيا الغربية، إذ "لا تزال آثار هذه المملكة باقية إلى الآن في جمهورية بنين. يسرد الفيلم حكاية نانيسكا التي تحمل آلام اغتصابها من قبل أحد قادة مملكة أويو، والتي كانت في صراع مع داهومي بسبب تجارة العبيد، وحملها منه، وإنجابها لطفلة، تتخلّى عنها بعد أن تضع علامة على جسدها. وتقود الأقدار الفتاة الصغيرة ناوي/ ثوسو مبيدو، لتصبح محاربة، تحت قيادة أمها نانيسكا.
ذاع صيت محاربات "أغوجي"، اللواتي تم تشكيلهن على يد الملكة هانغبي كحرس شخصي لها، وأطلق الأوروبيون عليهن؛ "الأمازونيات"، لكن لم يلتحقن بجيش داهومي إلّا على زمن الملك غيزو (1828-1858) بسبب النقص الكبير في المحاربين الذكور. على هذه الخلفية، بنت المخرجة جينا بايثوود رؤيتها، استنادًا لسيناريو دانا ستيفينز، لتكشف تاريخ العبودية في أفريقيا، الذي اشترك فيه البيض والسود، إذ قامت ممالك أفريقية ببيع سكانها أو أسراها إلى البيض الذين شحنوهم إلى العالم الجديد.
 يحكي الفيلم قصة الفتاة ناوي التي نشأت في أحد بيوت داهومي، لكن رفضها الزواج بأحد العجائز، دفع بسيدها إلى إلحاقها بفرقة أغوجي عقابًا لها. وتبدأ الفتاة بالتدرّب والتعرّف على عالم تلك المحاربات، لتفوز في حفل تخرجهن بالسيف الملكي. تتعقّد العلاقة بين نانيسكا وناوي، لتكتشف بأنّ تلك الفتاة المشاكسة ابنتها. وفي المعركة الأخيرة بين داهومي وأويو، وعلى الرغم من انتصار داهومي يتم أسر ناوي وتباع كعبدة للبيض. يقرّر الملك غيزو منح نانيسكا منصب المرأة الملك، بسبب انتصارها وتحقيقًا للأساطير القديمة للشعب الداهومي، التي تنص على أن المُلك يكون مناصفة بين ذكر وأنثى، لكن نانيسكا تترك كل شيء وتذهب لإنقاذ ابنتها.
يعرض الفيلم قضايا مهمة ضمن حبكته، على الرغم من الخلطة الهوليوودية على صعيد قصة الحب التي جمعت بين أحد التجار ذي الأصول الأفريقية وناوي، وتصوير المعارك، والخطب الرنّانة للملك غيزو. ومع ذلك بيّن الفيلم بأنّ قضية العبودية الشائنة في تاريخنا الحديث، لم تكن لتكون بهذه الحدّة، لولا المشاركة الفعالة للممالك الأفريقية فيها عبر الاتجار بأفراد شعوبها.
استطاعت فيولا ديفيس أن تقدم شخصية نانيسكا بحرفية عالية، ما بين صورتها العلنية كجنرال لا تهاب الموت، وصراعها الداخلي مع حادثة اغتصابها، وتعرّفها على ابنتها، التي تركتها من أجل أن تصبح قائدة فرقة" أغوجي"، وجدالها مع الملك من أجل استبدال تجارة العبيد بتجارة زيت جوز الهند، وما تنتجه المملكة من منتجات أخرى. تكسب نانيسكا قضيتها وتصبح داهومي أول مملكة تتوقّف عن تزويد الأوروبيين بالعبيد.  
لم تكتف المخرجة بالأحداث التي جرت في أفريقيا، بل قدمت استشرافا مستقبليا، في مشهد دال، إذ نرى المقاتلة ناوي في لباس سنراه كثيرًا في الأفلام التي تناولت قضية العبودية في أميركا. وكأنّها تقول بأنّ مقاومة العبودية ستكون في العالم الجديد المسمى أميركا، أيضًا.
قالت المخرجة جينا بأنّ ابنها سألها: لماذا ليس لدينا أبطال؟ وما قصدته جينا، لماذا ليس للملوّنين سير بطولية كالبيض؟ وهكذا جاءتها الفرصة لتحقّق حلم ابنها عبر تقديم فيلم عن مقاتلات "الأغوجي"، لكن بعد عرض الفيلم ظهر بأنّ هؤلاء المقاتلات، لم يكن كما صوّرهن الفيلم، بل كنّ اليد الضاربة لمملكة داهومي، التي شيّدت مجدها عبر الاتّجار بالعبيد. في تحقيق للصحفية زورا هيرستون عام 1927 كشفت فيه، بعد لقائها أحد آخر الناجين من تجارة العبودية، بأنّ فرقة "أغوجي" هاجمت قريتهم وذبحت الكثير وساقت البقية كعبيد للبيع.  
قبل الذهاب باتجاه الإدانة، لمخالفة الفيلم الوقائع التاريخية، ألا يحقّ لنا أن نجادل، ونقول بأنّ سوبرمان بطل أميركي من صناعة الخيال، فما الفرق! مادام الهدف من الفيلم هو فضح تاريخ العبودية حتى لو بقصة خيالية زوّرت التاريخ!
لا ريب أن الغضب الذي صُب على الفيلم، ليس بسبب التزوير بشكل حاسم، بل لأنّ أكثرية المشاهدين تمنّوا أن تكون الجنرال نانيسكا وناوي موجودتين حقًّا، كما قدمهما الفيلم. لقد حقّق الفيلم نجاحًا كبيرًا على صعيد الجمهور، لأنّ حاجة الضعفاء إلى بطل منقذ حاسمةٌ، حتى لو كان وهمًا، لكن من الأفضل أن يكون حقيقيًا.